X

خانات بوخارست القديمة

الخانات القديمة هي فنادق القرون الوسطى .. إنها مبان ضخمة مكونة من أربعة أجنحة على شكل مستطيل تتوسطه باحة واسعة يدخل إليها من بوابة كبيرة . إذا نظرت إليها من الشارع تشبه حصون القرون الوسطى لسمك جدرانها الخارجية وقلة نوافذها وصغر حجمها لكن المشهد يختلف كليا إذا نظرت إليها من الباحة إذ تكتشف أنها مكونة من طابق أرضي فيه مستودعات ودكاكين وطابق علوي به غرف ذات نوافذ كبيرة مطلة على الباحة .. ويحيط المبنى رواق طويل ذو أعمدة من خشب وكان المسافرون يبيتون في الطابق العلوي ويتركون عرباتهم والخيول في الباحة . أولى الخانات شيدت في بوخارست عاصمة إمارة فالاهيا في القرن السادس عشر من قبل الأمراء وكبار الموظفين والإقطاعيين وثم بدأ التجار الأغنياء وحتى الأديار بإنشائها . مع تطور المدينة وتحولها إلى مركز تجاري هام على الطريق الذي كان يربط غرب أوروبا بالشرق انتشرت الخانات في جميع أحياء العاصمة وحتى في الضواحي . مذكرات الرحالة والتجار الأجانب تحفل بأوصاف لبوخارست وخاناتها ففي عام 1632 كتب رحالة أجنبي عن كثرة التجار الأجانب الذين كانوا يبيعون بضائعهم في أسواق بوخارست وبينهم أتراك وويونانيون وإيطياليون وفرنسيون وحتى إنكليز . أما أول إشارة إلى خانة في وثيقة رسمية فتعود إلى عام 1673. غابريال كونستنتين الخبير في متحف بوخارست لديه التفاصيل :


“ازداد عدد الخانات في بوخارست بشكل ملحوظ حتى أصبح لكل ضاحية فقيرة خانة. لكن لم تكن الخانات متشابهة من حيث الشكل والحجم ودرجة الراحة إذ كانت هناك خانات صغيرة متواضعة للتجار الصغار القادمين من المنطاق الريفية وخانات ضخمة جميلة بالقرب من أسواق بوخارست وفرت للتجار الرومانيين والأجانب أفضل الظروف لتخزين البضائع وإبرام الصفقات. ولكن تطور وسائل النقل أدى إلى اختفاء الخانات حالما بدأت القطارات والبواخر تنقل كميات كبيرة من البضائع وفي وقت قصير . في الوقت نفسه بدأ المسافرون والتجار يفضلون الفنادق الجديدة التي كانت توفر للنزلاء درجة عالية من الراحة فضلا عن تسهيلات لبيع البضائع. ولكن مما لا شك فيه أن الخانات القديمة ساهمت في تطوير بوخارست كمركز تجاري هام . بعض الخانات القديمة التي استمرت في الوجود رغم مرور الوقت والكرارث لا تزال تحتفظ بشيء من رونق الماضي.”


تدهور الخانات بدأ في عام 1828 عقب إنشاء أولى الفنادق بالأسلوب المعماري الغربي من جهة وتطوير السكك الحديدية والملاحة النهرية من جهة أخرى . لكن معظم الخانات شيد في محيط المركز التاريخي الحالي للعاصمة وهو المكان الذي تكدست فيه قديما دكاكين التجار والحرفيين .عن أشهر تجار بوخارست في القرن التاسع عشر قال غابرييل كونستنتين:”تخفي الخانات القديمة خلف جدرانها قصص حياة مثيرة ومنها قصة إيمانويل مرزويان المعروف بمانوك بيك التي تجمع بين الحقيقة والخرافة . لقد كان شخصية متميزة .ورث من والده ثروة كبيرة ولكنه عرف كيف يقيم علاقات مفيدة في الإمبراطورية العثمانية ومع صناع القرار هناك وأيضا مع صناع القرار في إمارة فالاهيا . كان يجيد اثنتي عشرة لغة وكان يتملك مهارات دبلوماسية عالية وكان صاحب رؤية استراتيجية . ولكن في الوقت نفسه رقص على حبلين مع الروس والعثمانيين في آن واحد . كان مانوك تاجرا ثريا وأقرض الأموال يمينا وسيارا حتى لصناع القرار في الإمبراطورية العثمانية وفي إمارة فالاهيا . كان شخصية معروفة ومحترمة فانتهى به الأمر إلى التوسط بين الروس والعثمانيين في حرب عام 1812 ما أدى إلى توقيع اتفاقية السلام بين الجابين في إحدى قاعات خانته . لكنه خان العثمانيين فاضطر إلى مغادرة الإمارة إلى إقطاعه في منطقة باسرابيا حيث فارق الحياة . قيل أنه مات مسموما على يد رجل في حاشيته غير أن الرواية الرسمية تقول بأنه لقى حفته إثر سقوطه من الحصان.”


خانة مانوك اليوم هي الوحيدة من نوعها التي لا تزال قائمة محتفظة بوظيفتها الأساسية كفندق ومطعم. مالك خانة أخرى مشهورة قديما هو الحاج تودوراكي : “كان تودوراكي ابن فلاح فقير وكان اسمه الحقيقي تيودور تودوران وقد أرسله والده إلى بوخارست لتعلم إدارة الأعمال التجارية . لكنه لم يدرس فبدأ يعمل في دكان تابع لخانة القديس جرجس التي كان صاحبها رجل اسمه الحاج تودوراكي . لم يكن لديه أبناء وأحب الشاب تيودور كثيرا لصفاته الحسنة فورثه ممتلكاته شريطة أن يغير اسمه إلى الحاج تودوراكي بعد وفاته . بعد وفاة التاجر عمل تودوراكي في تجارة الجملة وفي الوقت نفسه استخدم العربات المغطاة لنقل البضائع إلى مناطق ريفية بعيدة لإمداد سكانها باحاتياجاتهم الأساسية . ما أود ذكره أن الجاح تيودوراكي كان أميا لا يكاد يعرف كيف يكتب اسمه لكنه امتلك ذاكرة قوية بحيث كان يتذكر بالتفصيل كل صقفة عقدها وكل المبالغ المستحقة له. أبناؤه تعلموا التجارة من خلال العمل في دكاكينه لأنه أراد أن يعلمهم كل شئ عن التجارة منذ نعومة أظفارهم .”


نظم متحف بوخارست معرضا مؤقتا لتاريخ الخانات يقدم للجمهور ليس قصص تلك الأماكن فسحب بل أيضا الأشياء التي كانت موجودة فيها كالطناجر والصناديق الضخمة التي كانت تستخدم لتخزين أو نقل الأمتعة والملابس القديمة .

X

Headline

You can control the ways in which we improve and personalize your experience. Please choose whether you wish to allow the following:

Privacy Settings