اتفاق له أهمية استراتيجية
على مدى الأحد عشر عاما التي مرت على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها قدم الأميركيون مساعدات عسكرية وأمنية كبيرة لأوكرانيا

Diana Baetelu, 09.06.2025, 15:30
على مدى الأحد عشر عاما التي مرت على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها قدم الأميركيون مساعدات عسكرية وأمنية كبيرة لأوكرانيا دون أن تطلب شيئا مقابل ذلك إلى أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية ليطلب تعويضات من أوكرانيا على شكل المعادن النادرة الموجودة تحت أرضها .فالاتفاق الثنائي الذي سعى الرئيس الأمريكي إلى توقيعه ويمنح الولايات المتحدة الأولوية في استغلال المعادن النادرة الأوكرانية قد تم التوقيع عليه في نهاية شهر أبريل نيسان الماضي بعد مفاوضات صعبة استمرت لشهور عديدة وظلت نتائجها غير معروفة حتى آخر لحظة .
يتعلق أحد بنود الاتفاق بإنشاء صندوق مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا تساهم الأخيرة فيه بخمسين بالمائة من الأرباح والإناوات التي تحصل عليها مقابل استغلال الموارد الطبيعية على أن يعاد استثمار تلك الأموال في مشاريع تنموية جديدة. كما أن الولايات المتحدة ستنظر في أي مساعدة عسكرية قادمة لأوكرانيا قياسا على حجم المساهمة الأمريكية في الصندوق المشترك.
ما هي الشروط التي ينبغي اسيتفاؤها لتطبيق هذا الاتفاق الاقتصادي على الأرض ؟ الأستاذ الجامعي شتيفان بوبيسكو الحاصل على درجة الدكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة من جامعة السوربون : “الشرط الأساسي لتحويل هذا الاتفاق إلى نتائج ملموسة هو السلام. ولكن من جانب آخر يمكن القول بأن الاتفاق بدأ يؤتي أكله بمجرد توقيعه رغم العراقيل التي أخرت التوصل إليه سواء من الجانب الأمريكي أو الأوكراني . حتى أوروبا را\ـأ أردات لنفسها نصيب الأسد من المعادن النادرة الأوكرانية. لذا فإن مجرد توقيع الاتفاق يعزز معنويات الأوكرانيين ومعنويات النظام المؤسسي في كييف ومعنويات الجنود الذين يقاتلون على خط المواجهة دفاعا عن بلادهم. فالاتفاق يثبت لهم أن الولايات المتحدة مهتمة بأوكرانيا.”
الاهتمام كبير بالفعل. فالمعادن النادرة هي في غاية الأهمية لصناعات كثيرة كالدفاع والأجهزة عالية التقنية وصناعة الفضاء والطاقة الخضراء. وهذه المعادن ضرورية لتصنيع العديد من المنتجات الإلكترونية عالية التقنية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون البلازمية وأجهزة الكمبيوتر وبطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة وحتى المعدات العسكرية وهي معادن لا توجد لها بدائل . ويقدر احتياطي العالم من المعادن النادرة بنحو تعسة وتسعين مليون طن منها حوالي ستة وثلاثين مليون طن في الصين وتسعة عشر مليون طن في روسيا والدول المجاورة وثلاثة عشر مليون طن في الولايات المتحدة.
على الرغم من أن أوكرانيا ليست لديها مناجم عاملة لاستخراج المعادن النادرة إلا أن تحت أرضها اثنين وعشرين نوعا من أصل أربعة وثلاثين نوعا من المعادن النادرة التي يصنفها الاتحاد الأوروبي كمعادن أساسية. فبحسب المعهد الجيولوجي الأوكراني توجد في باطن الأرض اللانثانوم والسيريوم المستخدمين في تصنيع أجهزة التلفزيون والإضاءة بالإضافة إلى النيوديميوم المستخدم في توربينات الرياح والبطاريات الكهربائية وكذلك الإربيوم والإتريوم المستخدمين في مجالي الطاقة النووية والليزر.
وكما أن أوكرانيا قد تكون موردا رئيسيا لليثيوم والبيريليوم والمنغنيز والغاليوم والزركونيوم والأباتيت والفلوريت والنيكل بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي. ويعد الليثيوم مادة أساسية لصناعة البطاريات والسيراميك والزجاج وهو موجود بكميات كبيرة جدا في وسط وشرق وجنوب البلاد تقدر بحوالي خمسمائة ألف طن في أحد أكبر احتياطي اليثوم في أوروبا وفقا للمعهد الجيولوجي في أوكرانيا .
وتوجد في أوكرانيا أيضا موارد تيتانيوم وغرافيت تقدر الأخيرة بعشرين بالمائة من الموارد العالمية وهو مكون هام لبطاريات السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية. وبالإضافة إلى ذلك توجد هناك موارد فحم كبيرة. ولكن جزءا كبيرا من موارد المعادن يوجد حاليا في المناطق التي احتلها الجيش الروسي بحسب مصادر أوكرانية.
كيف ينظر إلى اتفاق المعادن بين واشنطن وكييف ولماذا يعتبر في غاية الأهمية ؟ الدول الغربية تعتبر الاتفاق تاريخيا لكنه موضع سخرية في موسكو حيث قيل إنه يحول أوكرانيا إلى مستعمرة تعدين أميركية. لكن المحللين يعتقدون أن الاتفاق قد يفسح المجال لتحالف جديد بين الولايات المتحدة وأوكرانيا قد يبدد فرص روسيا للتوصل إلى اتفاق سلام لصالحها . وفي مقابلة مع قناة “سي بي إس” التلفزيونية قالت السفيرة الأوكرانية في الولايات المتحدة أوكسانا ماركاروفا إن الاتفاق يشكل جزءا مهما من الضمانات الأمنية لبلادها .
الوجود الاقتصادي الأمريكي يكون دائما مدعوما بوجود عسكري وهو ما قد يكون لصالح رومانيا أيضا بحسب المحلل العسكري رادو تيودور: “إذا وجدت موارد الغاز الطبيعي الأوكراني في رواسب باطن الأرض أو في البحر الأسود وإذا شاركت الولايات المتحدة في استغلالها في البحر الأسود أو في مناطق أوكرانية أخرى قريبة من الحدود مع رومانيا فإن ذلك قد يكون لصالح رومانيا . لماذا؟ لأن الوجود الاقتصادي الأمريكي يكون دائما مدعوما بوجود عسكري ذلك أن الأمريكان يحمون مشاريعهم وموظفيهم العاملين فيها وأعمالهم المقدرة بمليارات الدولارات وهذه الحماية تأتي دائما من الوجود العسكري.
فالدولة الوحيدة على الجناح الشرقي لحلف الأطلسي القادرة على ضمان وجود عسكري ثابت للأميركيين لحماية مصالحهم في أوكرانيا هي رومانيا. لذا فأنه سيكون لصالح رومانيا أن تبقى القوات الأميركية فيها وألا تنسحب أو ألا تقلل عدد جنودها. أوكرانيا تساعدنا في الواقع بهذا الاتفاق الاقتصادي الموسع بشأن موارد الطاقة لأن الأمريكيين سيكونون بحاجة إلى قوات عسكرية تحت تصرفهم على مقربة منهم لحماية الأعمالهم تلك المقدرة بمليارات الدولارات”.
وأضاف المحلل رادو تودور يقول إن ” روسيا لن تتخلى عن سياستها العدوانية ولكن الأمريكيين تعلموا دروس التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية واتخذوا التدابير اللازمة لحماية أعمالهم التجارية الكبرى أمنيا وعسكريا أينما وجدت.