خرافات ووقائع حول تغير المناخ
أثبتت الدراسات الحديثة أن الوقود الأحفوري يمثل المصدر الرئيس لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من الأنشطة البشرية بنسبة تسعين بالمائة من إجمالي تلك الانبعاثات ليكون أيضا السبب الرئيس لارتفاع درجات الحرارة السنوية وحموضة المحيطات
Diana Baetelu, 14.05.2025, 15:30
أثبتت الدراسات الحديثة أن الوقود الأحفوري يمثل المصدر الرئيس لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من الأنشطة البشرية بنسبة تسعين بالمائة من إجمالي تلك الانبعاثات ليكون أيضا السبب الرئيس لارتفاع درجات الحرارة السنوية وحموضة المحيطات فضلا عن دوره في تسريع وتيرة انقراض الحيوانات حيث من المتوقع أن يختفي نوع واحد من بين كل ثلاثة أنواع من الكائنات الحية خلال الخمسين سنة القادمة ما لم يجر إصلاح صناعة الوقود الأحفوري بشكل جذري.
داريا هاو الحاصلة على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي بما فيه القانون المتعلق بتغير المناخ في أمستردام والمستشارة السابقة في وزارة البيئة حدثتنا عن خرافات تغير المناخ الأكثر انتشارا :”هناك خرافتان على الأقل تروج لهما شركات كبرى ملوثة للبيئة لم نقم بدحضهما بما فيه الكفاية وهما خرافة إعادة تدوير البلاستيك وخرافة التقنيات المزيلة للكربون .يظن كثيرون أن إعادة التدوير تحمي كوكبنا شريطة أن تلتزم بالمعايير المحددة . ولكن إذا كانت إعادة تدوير العديد من المواد مفيدة من الناحية الإيكولوجية إلا ان إعادة تدوير البلاستيك هي قصة تنقصها الدقة إن لم تكن مضللة لأن نسبة المواد البلاستيكية التي يعاد تدويرها لا تزيد عن عشرة بالمائة من إجمالي كميات البلاستيك المنتجة عالميا ذلك أن معظم أنواع البلاستيك غير قابل لإعادة التدوير.
فخرافة إعادة تدوير البلاستيك هي ستار دخان إن جاز التعبير يجعلنا نشعر بالذنب كلما اشترينا العبوات البلاستيكية غير أن إنتاج البلاستيك أحادي الاستخدام في تزايد . أما الخرافة الثانية فهي خرافة التكنولوجيا ومفادها أننا لسنا بحاجة إلى تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لأن حلولا إعجازية ستكون متاحة لنا قريبا ومن بينها تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكروبن باحتجازه قبل وصوله إلى الغلاف الجوي. إلا أن هذه التقنيات باهظة الثمن وتمول من إعانات. ولذا فإن هذه التقنيات غير فعالة وهامشية على المتسوى العالمي.
إلا أن شركات النفط الكبرى تروج لها في محاولة لإيهام الناس بأننا نستطيع أن نواصل استخراج النفط والغاز لأننا سنحصل في المستقبل على تقنيات تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة .فأحد الرؤساء التنفيذيين لشركة نفط كبيرة قال بالحرف الواحد إن تلك التقنيات تمهل الصناعات ما بين سبعين وثمانين عاما إضافية للاستمرار في العمل جريا على عادتها . بعبارة لآخرى فإن الهدف من التوريج لخرافة إعادة التكنولوجيا هو السماح للصناعة الملوثة بالبقاء بذريعة أن تقنيات متقدمة للغاية ستقوم بتنظيف الغلاف الجوي وستحل المشكلة .”
الحلول التقنية الآنفة الذكر وإعادة التدوير ليست عديمة الفائدة ولا ينبغي علينا إهمالها أو التوقف عن الاستثمار فيها بحسب داريا هاو. ولكن في المقابل لا ينبغي النظر إليها على أنها الحل المثالي والشامل لأزمة المناخ لأن مثل هذه الرؤية مبالغ فيها وتصرف الانتباه عما يجب القيام به في الواقع وهو محاسبة الملوثين الكبار وتبني سياسات مناخية جريئة وممنهجة .
من جانب آخر ذكرت داريا هاو بممارسة أخرى تلجأ إليها الشركات الكبرى الملوثة ضمن أساليب الغسل الأخضر أو التمويه البيئي ألا وهي التركيز على المسؤولية الفردية بشكل مفرط : “شعارات من قبيل “التغيير يبدأ منك” أو “ماذا تفعل لحماية البيئة؟” مشروعة وينبغي على كل واحد منا أن يطرح مثل هذه الأسئلة على نفسه ولكن عندما تطرحها الشركات الكبرى الملوثة بهدف صرف انتباهنا وتفادي المساءلة فإن مثل هذه الأسئلة تتحول إلى أسلوب من أساليب الغسل الأخضر .
فأبلغ دليل على ذلك برأيي هو شركة النفط التي أطلقت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مفهوم البصمة الكربونية الشخصية إلى جانب حاسوب أولاين يساعد على تحديد كمية ثاني أكسيد الكربون التي ينتجها كل فرد في حياته اليومية . فآثار هذه الحملة للعلاقات العامة التي لا أساس علميا لها لا تزال قائمة ومن بينها أن شركات رومانية استنسخت تلك الحملة بل روجت لفكرة أن كلا منا يتحمل المسؤولية عن سلوكه في الحياة اليومية .
للأسف لا يمكننا وقف أزمة المناخ بالجمع الانتقائي للنفايات أو باستخدام الدراجة الهوائية بدلا من السيارة. فالتغيير الحقيقي يجب أن يأتي أولا من سياسات عامة من شأنها تشجيع الناس على تحسين سلوكهم من جهة وكذلك من تقليل الانبعاثات في مصدرها أي في الصناعات التي تنتج الانبعاثات من جهة أخرى .”
المواطنون العاديون لا يملكون وسائل كفيلة بمحاربة أزمة المناخ ولكنهم يستطيعون بالمقابل الاطلاع على القضايا المناخية والإدلاء بأصواتهم وتحديد الأهداف التي يطالبون الزعماء السياسيين بتحقيقها بحسب داريا هاو.
فأين يكمن الحل الواقعي لأزمة المناخ بعيدا عن الخرافات وستائر الدخان :”أعتقد أنه يتعين علينا في المقام الأول أن نقوم بتحديد الأسباب بشكل دقيق . فالوقود الأحفوري هو لب الأزمة التي تهدد استقرار الحياة على الأرض بكل مكوناتها . فكل مرحلة من مراحل سلسلة الوقود الأحفوري تنتج غازات دفيئة تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب وتسبب ملايين الوفيات المبكرة وتفاقم عدم استقرار النظم البيئية فضلا عن تسببها في أضرار تقدر بتريليونات الدولارات. لذا فإذا أردنا الحد من آثار الاحتباس الحراري فعلينا التركيز على إنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري .
من البديهي أننا بحاجة إلى تحول عادل للمجتمعات التي تعتمد على طاقة الوقود الأحفوري فضلا عن إيلاء الاهتمام للمتضررين من الوقود الأحفوري وهم الأطفال والنساء خاصة في دول الجنوب العالمي. ولكن ذلك يجب أن يحدث بحلول عام 2050 على أبعد تقدير – إذا أردنا أن نتجنب تجاوز الحد الحرج لاحترار الأرض وقدره درجة ونصف المئوية والذي يبدو أننا بصدد تجاوزه بحسب الدراسات الحديثة “.