منقذون في قمة الجبل
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شهر فبراير شباط عام 2022 عبر ملايين الأوكرانيين الحدود إلى رومانيا المجاورة عبر جبال منطقة مارامويش الرومانية ومعظمهم فقط لمواصلة الرحلة إلى دولة غربية
Diana Baetelu, 07.05.2025, 15:30
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شهر فبراير شباط عام 2022 عبر ملايين الأوكرانيين الحدود إلى رومانيا المجاورة عبر جبال منطقة مارامويش الرومانية ومعظمهم فقط لمواصلة الرحلة إلى دولة غربية . وكان بين الهاربين شباب مؤهلون للقتال قرروا عبور الحدود الرومانية الأوكرانية بشكل غير شرعي خشية التجنيد . وقد لقي العشرات حتفهم متأثرين بالجراح التي أصيبوا بها أثناء السير أو بسبب الإرهاق أو سوء الأحوال الجوية . في المقابل بقي نحو ثلاثمائة آخرون على قيد الحياة بفضل جهود رجال الإنقاذ الجبليين الرومانيين في شمال البلاد.
دان بينغا هو رئيس فريق الإنقاذ الجبلي في منطقة ماراموريش. ويقوم بتنسيق مجموعة من الرجال الذين اتخذوا من إنقاذ الأرواح مهنة لهم رغم المخاطر التي تتربص بهم في مهام الإنقاذ التي ينفذونها . ويتذكر دان أول اتصال هاتفي طلب منهم فيه التدخل لمساعدة مجموعة من الأوكرانيين في شهر أبريل نيسان عام 2022:” تلقينا اتصالا من خدمة الطوارئ أبلغونا فيه بوجود مواطنين أوكرانيين في قمة جبل بوب إيفان وهم بملابس صيفية خفيفة رغم برودة الطقس وكثرة الثلوج في المنطقة ويحتاجون إلى المساعدة . وكانت الحالة الصحية لاثنين منهم خطيرة للغاية وكان أحدهما فاقدا للوعي.
تلقينا الاتصال من خدمة الطوارئ في الليل مما زاد من صعوبة مهمة الإنقاذ كما علمنا بأن أفراد المجموعة مبعثرون في المنطقة بحيث كان من الصعب تحديد مكان وجود بعض منهم . كانت مهمة صعبة للغاية هي بمثابة سباق مع الزمن في منطقة خطيرة للغاية فيها وديان ضيقة بعمق خمسمائة متر وسط صخور مستقيمة . قيل لنا أن اثنين من الأوكرانيين كانا قد سقطا في أحد تلك الوديان وصادف انهيارا جليديا بينما كان يحاول العودة إلى المسارالمحدد ..كانت تلك المهمة بداية لرحلة استمرت منذ فبراير شباط عام 2022 حتى اليوم وكانت أيضا اختبارا لقدرتنا على تنفيذ مثل هذه المهام ولمدى لياقتنا البدنية وتعاطفنا.”
كانت كل المهام مثيرة بصرف النظر عن مدتها . وكانت أطولها تلك التي استغرت مائة وثلاثا وثلاثين ساعة وحطمت رقما قياسيا أوروبيا . حصل ذلك في الأيام السابقة لعيد الميلاد المجيد في عام 2022 وتمثلت في البحث عن خمسة أشخاص وإنقاذهم فضلا عن انتشال جثتين إحداهما لشاب في الحادية والعشرين من العمر والثانية لشاب في الثالثة والعشرين . وقد استخدم المنقذون جميع أنواع المعدات المتوفرة آنذاك كطائرتين ومروحيتين تابعتين لفرونتكس ومروحيات خدمة الطوارئ الرومانية : “استقللت مروحية للوصول إلى أوكرانيين اثنين في قمة الجبل ولاظت أن حالة أحدهما الصحية خطيرة للغاية وتهدد بالقضاء عليه قبل بزوغ الفجر. تمكنت من إجلائه ولكني بقيت في قمة الجبل مع الأوكراني الثاني بانتظار وصول المروحية لإجلائنا. ولكن سوء الاحوال الجوية والضباب الكثيف والعاصفة الثلجية غير المتوقعة حالت دون إقلاع المروحية فأخبرني زملائي بأنهم لن يستطيعوا الوصول إلينا إلا بعد ثلاثين ساعة على الأقل فعلي أن أدبر حالي وأنزل من الجبل مع الاوكراني .
عندها قلت للرجل أنه إذا أراد أن يعيش فعليه أن يأتي معي لأنني أريد أن أعيش. أما إذا أراد أن يموت فليبق حيث هو لكنني لا أريد أن أتركه يموت وسأربطه بجسدي وسأجره خلفي. وفقد قطعنا مسافة كيلومر وأربعمائة متر إلى صفوح الجبل في ست عشرة ساعة .”
قصة الصحفي الأوكراني الشاب البالغ من العمر تسعة وعشرين عاما والذي عثر عليه وهو في غيبوبة في واد بجبال ماراموريش وأنقذه فريق الإنقاذ الجبلي في المنطقة تصدرت البرامج الإخبارية للقنوات التلفيزيونية حول العالم : “كان شاب أوكراني قد سقط في هاوية وعندما عثر عليه كان مستلقيا على الأرض وغير قادر على التحرك . الظروف لم تسمح لنا باستخدام المروحية بل اضطررنا لإنقاذه إنقاذا بريا . لقد أرسلنا فريق منقذين إلى المكان وعندما فحصوه لاحظوا أنه يعاني من انخفاض حرارة الجسم وعندما أزالوا ملابسه وجدوا قطة نائمة على صدره . كان الشاب المسكين قد أمضى أحد عشر يوما في الحبال .وقد استغرق تسلق زملائي مع الأوكراني سبع ساعات ونصف الساعة غير أن المسافة بين قاع الهاوية وفوهتها لا تزيد عن أربعمائة متر ولكن الطقس القاسي وصعوبةجر النقالة أثناء التسلق زادت المهمة تعقيدا حيانا . لكنهم اسطاعوا أن يخرجوا به من الهاوية ونقلوه إلى المستشفى حيث تعافى ثم اتجه إلى النمسا . وفي كل مرة يشاهد عملية إنقاذ يشكرنا على إنقاذ حياته ونحن الآن أصدقاء على إنستغرام حيث لديه عشرات الآلاف من المتابعين. لكنه لا يتابع إلا فريق إنقاذ واحدا هو فريق المنقذين بمنطقة ماراموريش .”
نفذ المنقذون بمنطقة ماراموريش حتى الآن أكثر من مئتي مهمة لإنقاذ الهاربين الأوكرانيين . يتبعون فيها توصيات بروتوكول مهني متعارف عليه سواء تعلق الأمر بإنقاذ السياح الذين يواجهون صعوبات أثناء تسلق الجبال أو إنقاذ الهاربين من أوكرانيا المجاورة .
ولكن حالات إنقاذ الأوكرانيين تحمل دلالات عاطفية عميقة لأن هؤلاء الشباب يخشون التجنيد لدرجة أنهم مستعدون لترك كل شيء وراءهم ومواجهة كل أنواع المخاطر من أجل العيش في مكان آمن : “هؤلاء الناس لا يأتون إلى رومانيا بحثا عن التسلية بل يأتون للبقاء على قيد الحياة ولذلك فهم مستعدون حتى لأكل الأغصان والحشرات وشرب الماء من البرك الراكدة .. بالطبع هناك حرب دائرة في أوكرانيا وإحدى القواعد المفروضة في أوقات الحرب هي إلزامية البقاء على مسافة تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود.
فهؤلاء الشباب المؤهلين للتجنيد لا يمكنهم الاتجاه إلى المنطقة الحدودية الجبلية مرتدين ملابس سميكة وأحذية التسلق الشتوية ومعهم معدات جبلية شتوية لأنه لا يمكنهن أن يمروا بمنطقة فيها شرطة عسكرية أو قوات مسلحة مرور الكرام . سيسألونهم حتما إلى أين هم ذاهبون بتلك المعدات الشتوية ودرجة الحرارة عشر درجات مئوية . لذا فإنهم يصلون المنطقة الجبلية الرومانية مرتدين ملابس خفيفة وأحذية من القماش أو المطاط وسراويل الجينز وكأنهم ذاهبون إلى العمل . ولكن درجة الحرارة في قمة الجبل قد تنزل إلى ست وعشرين درجة مئوية تحت الصفر وهي الوصفة المثالية للإصابة بانخفاض شديد لحرارة الجسم في أقل من أربع وعشرين ساعة فضلا عن الإصابة بقضمة الصقيع التي تؤدي إلى بتر السيقان وهي حالة واجهناها أكثر من مرة .”
يبلغ طول الحدود الجبلية بين رومانيا وأوكرانيا مائة وعشرين كيلمترا . كما أن تضاريس منطقة ماراموريش وعرة وجبالها لا ترأف . ومع ذلك لا يزيد عدد أفراد فريق المنقذين بجبال ماراموريش عن ثمانية عشر منقدا ومعهم اثنان وثلاثون متطوعا. للعلم يعمل في فرق الإنقاذ الجبلي بمنطقة تيرول النمساوية التي تمثل مساحتها نصف مساحة منطقة ماراموريش أكثر من ألف منقذ أي أكثر من إجمالي عدد المنقذين الجبليين في رومانيا كلها .