سجن أيود
قد تكون مدينة أيود الصغيرة البالغ تعداد سكانها اثنين وعشرين ألف نسمة واحدة من المدن سيئة السمعة لاقتران اسمها بالحملات التي شنها الحزب الشيوعي بعد توليه السلطة على زعماء الأحزاب التاريخية والمعارضين
Diana Baetelu, 10.05.2025, 15:30
قد تكون مدينة أيود الصغيرة البالغ تعداد سكانها اثنين وعشرين ألف نسمة واحدة من المدن سيئة السمعة لاقتران اسمها بالحملات التي شنها الحزب الشيوعي بعد توليه السلطة على زعماء الأحزاب التاريخية والمعارضين . فسجن المدينة بقي في تاريخ رومانيا الحديث كأحد أكبر مراكز الاعتقال السياسي في الحقبة الشيوعية. قصة سجن أيود سيئ الصيت لم تكن معروفة للسواد الأعظم إلا بعد سقوط النظام الشيوعي ولكنفي عام 1989.
ولكن كتاب “سجن أيود” بقلم المؤرخ دراغوش أورسو الخبير في المتحف الوطني بمدينة ألبا يوليا يكشف النقاب عن أساليب إعادة التأهيل المزعومة التي استخدمها الشيوعيون ضد نزلاء سجن أيود : “معارضة المجتمع الروماني للنظام الشيوعي الذي استولى على السلطة بعد الحرب العالمية الثانية كانت سياسية في المقام الأول. ذلك أن المجتمع الروماني والأحزاب السياسية التاريخية والمجتمع المدني وجل الرومانيين بصورة عامة اعتبروا النظام الشيوعي عدوا وتهديدا للديمقراطية والدولة الرومانية معا. وكلنا يعلم أن النظام الشيوعي قد فرض على رومانيا من قبل موسكو في ظل احتلال الجيش الأحمر للبلاد الأمر الذي أضفى طابعا سياسيا على المعارضة.
لذا فكان معظم السجناء من المعارضين السياسيين الذين كانت أجهزة الأمن قد وضعتهم تحت المراقبة وتعرضوا لشتى أشكال الاضطهاد قبل الزج بهم في سجون النظام .كانت السلطات تعتبر إعادة التأهيل شكلا من أشكال المواجهة السياسية بين النظام والمعتقلين وكانت تنظر إليهم ليس على أنهم أشخاص مسلوبي الحرية قيد الاعتقال الإداري بل على أنهم أعداء للشعب لا بد من قمعهم في مراكز اعتقال وإخضاعهم لإعادة التأهيل سياسيا ونفسيا . إلا أن الهدف الحقيقي من إعادة التأهيل كان في الواقع نزع الصفة الإنسانية عن السجناء .”
تنوعت انتماءات وتوجهات نزلاء معسكرات الاعتقال الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي ولكن سجن أيود كان معروفا بسجن عناصر الحرس الحديدي اليمين المتطرف السابق. دراغوش أورسو: “كان سجن أيود ربما الأكبر مساحة وسعة وكان يتسع لأربعة آلاف سجين في آن واحد . وتشير الإحصاءات إلى أن ما يقارب أربعة عشر ألف شخص قبعوا فيه أثناء حملة القمع والاعتقالات الشيوعية ما بين عامي 1948 و1952.
ففي عام 1948 عندما قامت السلطات بتصنيف السجون حسب طبيعتها وسجنائها صنفت سجن أيود ضمن سجون المعارضين المثقفين وأصحاب المهن الحرة والموظفين العامين المدانين في قضايا سياسية .فمن هذه الناحية يعرف سجن أيود بأنه سجن عناصر الحرس الحديدي ومن كان لهم ماض سياسي ضمن تلك الحركة اليمينية المتطرفة لأنهم كانوا يشلكون غالبية النزلاء الخاضعين لإعادة التأهيل النفسي والسياسي في مراكز الاعتقال الشيوعية ولكنهم لم يمثلوا الاغلبية إلا بشكل مؤقت بين حين وآخر إذ إن سجن أيود استقبل أيضا أعضاء سابقين في الأحزاب التاريخية كالحزب الليبرالي والحزب الوطني الفلاحي إلى جانب الضباط في الجيش الملكي السابق والفلاحين الذين رفضوا تسليم أراضيهم وأدواتهم الزراعية للدولة أثناء عملية تأسيس التعاونيات الزراعية والمقاتلين في المقاومة المسحلة السرية ضد النظام الشيوعي .”
أخضعت السلطات الشيوعية السجناء السياسيين لإعادة التأهيل نفسيا وسياسيا في معظم معسكرات الاعتقال بما فيها سجن أيود. كانت إعادة التأهيل عملية في منتهى الوحشية افتقرت إلى الحد الأدنى من الإنسانية ومارسها نظام ادعى حب الشعوب والدفاع عن الكرامة الإنسانية: “في سجن بيتيشتي على سبيل المثال وأيضا في سجن غيرلا ومعسكر الاعتقال في قناة الدانوب اعتمد النظام إعادة تأهيل السجناء بالعنف الشديد والتعذيب البدني والبلطجة .
أما في سجن أيود فقد بدأت عمليات إعادة تأهيل السجناء أثناء حملة القمع الثانية التي أطلقها النظام بعد الثورة المجرية واستخدم فيها بدلا من التعذيب البدني أساليب إعادة التأهيل النفسي أوالحرب النفسية وإعادة التأهيل الثقافي لأسباب واضحة . وقد اعتمد النظام ذلك الأسلوب بعد أن أدرك أن نزلاء سجن أيود كانوا قد أمضوا ما بين عشر إلى خمس عشرة سنوات رهن الاعتقال وهم منهكون جسديا ونفسيا ومعنويا ولن يحتملوا التعذيب أو العنف الجسدي مهما كان خفيفا فقد يلقون حتفهم. وهنا يكمن الفرق بين سجن أيود ومراكز الاعتقال الشيوعية الأخرى . فسجن بيتيشتي على سبيل المثال جرب إعادة التأهيل العنيفة عبر القمع والتعذيب بكافة أشكاله في حين أن سجن أيود جرب إعادة التأهيل النفسية والإيديولوجية والثقافية في محاولة من النظام لاستمالة السجناء وجعلهم ينكرون ماضيهم السياسي أشد إنكار لكي يصبحوا غير مؤهلين أخلاقيا في نظرة زملائهم من السجناء الآخرين للقيام بعمل سياسي مهما كان بسيطا بعد إطلاق سراحهم “.
ما هو إرث سجن أيود في الذاكرة الجماعية؟ دراغوش أورسو: ”إن إعادة التأهيل عبر العنف المفرط والبلطجة التي جربت في سجن بيتيشتي برّأت الضحايا. لأنه من طبيعة الإنسان أن ينكسر ويستسلم في وجه الوحشية .أما سجن أيود فقد جرب فيه النظام الشيوعي إعادة تأهيل السجناء بالأساليب النفسية والدعائية ونجح بذلك في زرع بذور عدم الثقة والشك في صفوفهم وكسر تضامنهم ووحدة صفهم وهو ما لم يحدث في سجن بيتيشتي حيث كان التضامن قويا بين السجناء لتشاركهم المعاناة ذاتها جراء الهمجية والبلطجة .”