رومانيا ووضع الدولة الأكثر رعاية
العلاقات بين رومانيا والولايات المتحدة في القرن العشرين كانت إيجابية بصورة عامة باستثناء الفترة ما بين عامي 1941 و1944

Diana Baetelu, 24.05.2025, 15:30
الصداقة بين الدول تترجم على أرض الواقع في مبادرات وخطوات ملموسة .فإحدى الخطوات الملموسة التي أكدت على دكت الصداقة الرومانية الأميركية في النصف الثاني من القرن العشرين هي منح الولايات المتحدة رومانيا وضع الدولة الأكثر رعاية تمثلت في منح الولايات المتحدة رومانياوضع تمثل في المعاملة المتساوية في العلاقات التجارية بين الدولتين .
العلاقات بين رومانيا والولايات المتحدة في القرن العشرين كانت إيجابية بصورة عامة باستثناء الفترة ما بين عامي 1941 و1944 إبان الحرب العالمية الثانية بسبب وقوف الدولتين في معسكرين متحاربين . وقد استمرت حالة التناحر بعد انتهاء الحرب بسبب وقوع رومانيا في دائرة النفوذ السوفييتي المتمثلة في كتلة الدول الاشتراكية وتولي الولايات المتحدة رئاسة العالم الرأسمالي الحر. رغم ذلك استؤنفت العلاقات بين الدولتين في عام 1946 وشهدت انتعاشا طفيفا إلا أن تحسنا واضحا حصل فقط بعد وفاة الزعيم السوفييتي ستالين في عام 1953.
المؤرخ كونستانتين مورارو الباحث في الأرشيف الوطني حدثنا عن استئناف العلاقات بين رومانيا والولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية : “شهد الاتحاد السوفييتي صراعا على السلطة في قمة الهرم السياسي للحزب الشيوعي استمر عامين فحاولت رومانيا في تلك الفترة استغلال الظروف المواتية الناجمة عن انشغال القيادة السوفييتية بالصراع على السلطة لإقامة علاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة فاتخذت سلسلة من الخطوات الملموسة لا سيما وأن إدارة الرئيس الأمريكي أيزنهاور كانت تسعى إلى تغييرالسياسة الأمريكية إزاء العلاقات بين الشرق والغرب وخاصةً العلاقات الاقتصادية.
لكن الأمريكيين قالوا إنهم لا يستطيعون استئناف العلاقات الاقتصادية مع رومانيا إلا بعد حل مشكلة الأصول الأمريكية التي كانت السلطات الشيوعية الرومانية قد أممتها في الحادي عشر من يونيو حزيران عام 1948. لذا فقد جرت في الفترة ما بين عامي 1954 و1960 جولات متعاقبة من المفاوضات طالب فيها الأمريكيون الجانب الروماني بدفع تعويضات قدرها ستون مليون دولار بينما بلغت قيمة الوصول أصول الرومانية المحتجزة لدى الولايات المتحدة نحو عشرين مليون دولار.”
في الفترة ما بين عامي 1955 و1960 كثفت رومانيا والولايات المتحدة محاولاتهما لتحقيق التقارب الاقتصادي. ففي عام 1960 تم توقيع اتفاق مالي في واشنطن لضبط الديون المتبادلة. فقد تعهدت رومانيا بموجبه بدفع اثنين وعشرين مليون دولار على أقساط على أن تقوم بتسديد قسط بقيمة مليونين ونصف المليون دولار خلال السنوات الأربع المقبلة. وفي عام 1960 أيضا وقع الجانبان اتفاقية ثقافية.
إلا أن العلاقات الثنائية أصيبت بالركود بعد بناء جدار برلين في عام 1961 وأزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 بسبب تبني رومانيا موقف الاتحاد السوفييتي إزاء تلك القضايا.ولكن في عام 1964 بعد إعلان حزب العمال الروماني ابتعاده ورومانيا عن الخط السوفييتي انتعشت العلاقات الرومانية الأمريكية من جديد واقترح للمرة الأولى منح رومانيا وضع الدولة الأكثر رعاية . إلا أن الكونغرس الأمريكي صوت ضد الاقتراح بسبب قانون كان أقره عام 1949 ونص على منع الولايات المتحدة من إقامة علاقات تجارية مع بلدان الكتلة الاشتراكية. وفي عام 1964 تم ترقية البعثة الدبلوماسية الرومانية في واشنطن إلى سفارة.
وصول نيكولاي تشاوشيسكو إلى سدة الحكم في عام 1965 لم يحدث تغييرات ملحوظة على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة . لكن التكنوقراط الرومانيين أقنعوا تشاوشيسكو بأهمية معاملة الدولة الأكثر رعاية. في غضون ذلك شهدت العلاقات الثنائية مزيدا من التقارب بعد اتخاذ رومانيا مواقف متعارضة مع الموقف السوفييتي أثناء حرب عام 1967 في الشرق الأوسط وثم أثناء حرب أكتوبر عام 1973.
في عام 1969 قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بزيارة إلى رومانيا وفي أوائل السبعينيات أصبحت رومانيا أول دولة اشتراكية اننضمت إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإعمار والتنمية والاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة. في الثاني من إبريل نيسان عام 1975 وقعت رومانيا والولايات المتحدة في واشنطن الاتفاق الخاص بمنح إحداهما الثانية وضع الدولة الأكثر الرعاية وفي نفس العام قام الرئيس الأمريكي جيرالد فورد بزيارة إلى بوخارست. ويقول المؤرخون إن عام 1975 شهد بلوغ العلاقات بين رومانيا والولايات المتحدة ذروتها .
يعتقد كونستانتين مورارو إن المواقف التي تبنتها رومانيا من مختلف القضايا العالمية ساهمت في منحها وضع الدولة الأكثر رعاية ولكن الفضل في ذلك يعود أيضا إلى جماعات الضغط:”كانت للجالية اليهودية في الولايات المتحدة مساهمتها في منح رومانيا معاملة الدولة الأكثر رعاية لأنها كانت تولي اهتماما كبيرا بمسألة الهجرة . فقد رغبت الجالية اليهودية في أن يحصل يهود رومانيا على تسهيلات من السلطات الرومانية للهجرة إما إلى إسرائيل أو إلى الولايات المتحدة. وقد ساهم دعم اللوبي اليهودي والضغط الذي مارسه على الكونغرش في منح رومانيا معاملة الدولة الأكثر رعاية .”
الأزمة الاقتصادية التي عصفت برومانيا في أوائل الثمانينيات أدت إلى توتر العلاقات الرومانية الأميركية. فإلى جانب ديون رومانيا الخارجية التي بلغت آنذاك أحد عشر مليار دولار انتقد الكونغرس الأمريكي انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة في رومانيا . إلا أن انتقاداته اصطدمت بعناد نيكولاي تشاوشيسكو: “كانت رومانيا تعاني من وضع اقتصادي صعب بسبب نقص المواد الخام.
كانت الصناعة الرومانية متطورة لكنها احتاجت إلى كميات كبيرة من المواد الخام لم تتمكن الدولة من توفيرها من الإنتاج المحلي بل كان عليها استيرادها ولكنها لم تملك المال اللازم لشرائها . وبسبب ارتفاع ديون رومانيا الخارجية بشكل كبير أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تستطيع مساعدة رومانيا إلا بعد وضع جدول زمني لسداد الديون . وانضافت إلى الأزمة المالية انتهاكات حقوق الإنسان في رومانيا مما أدى إلى إصابة العلاقات الرومانية الأمريكية بالفتور . وقد بلغ تدهور العلاقات الثنائية ذروته عام 1988 بتخلي رومانيا عن معاملة الدولة الأكثر رعاية. وبحلول عام 1989 كان مستوى العلاقات بين البلدين متدنيا للغاية.”
وفي عام 1996 أعاد الكونغرس الأميركي لرومانيا وضع الدولة الأكثر رعاية نتيجة التقدم المحرز على صعيد العلاقات الثنائية .