بناء أمني جديد في الاتحاد الأوروبي
جاءت مساعي الاتحاد الأوروبي الرامية إلى مراجعة دوره الدفاعي والاستراتيجي في سياق التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها القارة
Diana Baetelu, 24.11.2025, 15:30
جاءت مساعي الاتحاد الأوروبي الرامية إلى مراجعة دوره الدفاعي والاستراتيجي في سياق التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها القارة بعد أكثر من سبعة عقود من السلام والازدهار سبقت نشوب الحرب في أوكرانيا على حدوده . حرب يصعب التنبؤ بالتطورات القادمة مع تلاشي المسلسمات القديمة بشأنها .
فقد اعتمدت أوروبا لعقود طويلة على المظلة الأمنية الأمريكية والحماية التي توفرها هذه الآلية إلى جانب حلف الأطلسي إلا أن الاعتماد على الموارد والتكنولوجيا الأمريكيتين بات نقطة ضعف. وعليه بدأ المسؤولون الأوروبيون يتحدثون عن استقلال استراتيجي أوروبي متزايد ليس بمعنى الاساقلال عن أمريكا بل بمعنى تحقيق توازن أفضل داخل التحالف الغربي خاصة وأن نهاية الحرب في أوكرانيا لا تبدر وشيكة.
متى وكيف ستنتهي هذه الحرب؟ وما هي السيناريوهات المحتملة؟ إنها أسئلة تشغل بال الجميع. المؤرخ والأستاذ الجامعي أرماند غوشو خبير شؤون الاتحاد السوفيتي السابق ومحلل السياسة الخارجية:”هناك عدة سيناريوهات. أحدها سيناريو سلبي يتطلع بوتين إلى تحوله حقيقة قائمة لأن هذا السيناروي يفترض انهيار أوكرانيا وبسط روسيا سيطرتها عليها باحتلال جزء منها وتحول الجزء الآخر إلى مقاطعة روسية أو إلى بيلاروسيا ثانية يحكمها زعماء موالون للكرملين ويتمثلون لأوامره .
هناك أيضا سيناريو أقل سوءا ولكنه كذلك سيئ وهو الأكثر احتمالا ويفترض استمرار الحرب بشراسة أقل لسنوات مما سيجبر الغرب على اتخاذ قرارات بشأن أوكرانيا. لأن هذا السيناريو وإن لم يفترض هزيمة أوكرانيا إلا أن إطالة أمد الحرب ليس لصالح الغرب ولا لصالح أوكرانيا. وفي هذه الحالة فإن الوقوف موقف المتفرج على أمل انهيار روسيا ليس أفضل المواقف وأكثرها نجاعة لمواجهة العدوان الروسي.
وهناك أيضا سيناريو إيجابي يفترض عودة روسيا إلى المسار الديمقراطي واتجاهها نحو أوروبا والنموذج الأوروبي للتنمية الاقتصادية وتحسين علاقاتها مع أوروبا. هذا بالإضافة إلى الانسحاب من أوكرانيا والاعتراف بسيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. إذا هناك عدة سيناريوهات بعضها أفضل لكن معظمها سيئ للغاية.”
في هذا السياق يسعى الاتحاد الأوروب إلى بناء منظومة دفاعية جديدة ليضيف إلى البرامج القائمة كبرنامج التعاون الدفاعي المشترك وصندوق الدفاع الأوروبي مشاريع جديدة تهدف إلى إنشاء قاعدة مشتركة لإنتاج الأسلحة وشرائها وتحسين تنسيق القدرات الدفاعية والحد من التشطط الحالي الذي تسبب في تعدد أنواع الدبابات والطائرات وأنظمة المدفعية لدى البلدان الأوروبية . الهدف الرئيس هو بناء صناعة عسكرية أوروبية موحدة وفعالة: “نشهد تطورات لم نكن لنراها لولا الضعط الروسي. فالحرب تجبرنا على إعادة النظر في الأهداف الرئيسية لجعل الأمن والدفاع على رأس أولويات الغرب مجددا وهذا ما يحصل بالفعل حاليا ربما ليس بالسرعة التي كنا نتمناها.
في الوقت نفسه لا تنسوا أن أوروبا آلة ضخمة ومعقدة وبيروقراطية للغاية . كما أن موارد أوروبا أكبر بكثير من موارد روسيا وإن لم تكن رغبتها في المواجهة في مثل رغبة روسيا. في الوقت نفسه يلاحظ أن الحماس ليس بالعالي جدا في روسيا طالما أن جيشها مدفوع الأجر على غرار المرتزقة. فأوروبا أفضل حالا بكثير من هذه الناحية. الخلاصة أن الأمور تتطور باستمرار.”
لا يعرف أحد كيف ستنتهي الحرب في أوكرانيا.فالوضع مفتوح على جميع الاحتمالات. فنهاية الحرب ربما ستأتي في أعقاب اتفاق تفاوضي أو ربما في سياق تحول الصراع إلى صراع مجمد يستمر لسنوات. وقد أدركت أوروبا أن عليها أن تتعلم كيف تعيش في جوار خطير وفي الوقت نفسه أن تتهيأ للدفاع عن نفسها بمفردها وبالتعاون الوثيق مع حلف الناتو. هذا هو الامتحان الكبير الذي يجب على أوروبا اجتيازه بحسب الأستاذ أرماند غوشو:”يتعين على أوروبا أن تحدد الخطوات القادمة بوضوح ؟ فهل ستتحول إلى دولة فدرالية أم أنها ستكون أوروبا ذات سرعات متختلفة ؟ هل نتجه نحو جيش أوروبي مشترك أم أنها ستسعى إلى تحقيق تبادلية التشغيل بين الجيش الفرنسي والألماني والإيطالي والإسباني والروماني والبولندي وجيوش البلطيق وجيوش الدول الإسكندنافية؟ أم أنها ستمضي قدما في بناء شيء جديد مثل جيش أوروبي مشترك؟ لا أحد يعرف الحل الأمثل .
شخصيا أعتقد أنه ليس لديها من الوقت ما يكفي لبناء جيش أوروبي مشترك لأن الأمر معقد للغاية. ولكن نظرا لتعاونها مع حلف الأطلسي منذ أكثر من عشرين عاما فالمستحسن برأيي الاستلهام من نموذج التعاون الثنائي داخل الحلف لإنشاء تحالفات عسكرية ثنائية أصغر حجما. لذا ينبغي علينا أن نكون أكثر واقعية وأن نتحرك بسرعة أكبر وأن نعمل على زيادة تبادلية التشغيل بين الجيوش الأوروبية .”