حرب تجارية تعيد رسم معالم العالم
ارتدادات الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب مؤخرا بلغت جميع أرجاء المعمورة

Diana Baetelu, 05.05.2025, 15:30
ارتدادات الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب مؤخرا بلغت جميع أرجاء المعمورة. فالرئيس ترامب قال أثناء إعلانه عن حزمة الرسوم الجمركية الجديدة في الثاني من إبريل نيسان الماضي بأن ذلك اليوم هو يوم تحرير أمريكا الذي سيبقى في الذاكرة الجماعية ك”اليوم الذي انتعشت فيه الصناعة الأمريكية وأخذت أمريكا مصيرها في يديها وبدأ الأمريكيون ب”جعل أمريكا غنية مرة أخرى”.
لكن خبراء الاقتصاد حذروا من أن الرسوم الجمركية غير المسبوقة التي أعلن عنها دونالد ترامب قد تعطي في الواقع نتائج عكسية كإبطاء الاقتصاد العالمي وتزايد احتمالات الركود فضلا عن ارتفاع تكلفة المعيشة بآلاف الدولارات سنويا للأسر الأميركية العادية . ولم تتأخر الآثار في الظهور حيث أخذت الصناعة العالمية في التباطؤ فيما شهدت الأسواق المالية تقلبات شديدة . أما الصحافة العالمية فتحدثت عن “مذبحة أسواق الأسهم و”حمام الدم” و”الذعر” و”الجنون”و”الوضع المأساوي” و”الاثنين الأسود” لوصف آثار الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة.
رئيس بورصة بوخارست رادو هانغا وصف في حديث لراديو رومانيا الوضع الراهن في العالم وفي رومانيا: “أعتقد أننا نمر بمرحلة شديدة التعقيد ولا أعتقد أننا سنخرج منها قريبا . ربما ما نشهده الآن هي إعادة رسم معالم العالم وهي عملية ستستغرق وقتا طويلا على الأرجح .
من جانب آخر لا أتوقع عودة سريعة إلى العالم الذي ألفناه من قبل . فإذا أخذنا في الاعتبار الآثار الفورية لإعلان الولايات المتحدة عن الرسوم الجمركية الجديدة نلاحظ أن الأسواق العالمية الكبرى سجلت انخفاضات حادة تراوحت ما بين عشرة وخمسة عشر بالمائة .أما ردود أفعال الأسواق المحلية في هذه المنطقة بما فيها السوق الرومانية فكانت إيجابية للغاية وتعكس إلى حد ما الواقع العالمي الراهن متمثلا في أزمة العولمة وتقسيم العالم والحواجز التي تفرضها التعريفات الجمركية على التجارة العالمية”.
في المرحلة الأولى فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية قدرها خمسة وعشرون بالمائة على واردات الصلب والألمنيوم والمركبات ومكونات السيارات بغض النظر عن بلد المنشأ. أما في المرحلة الثانية فقد فرضت أمريكا رسوما جمركية قدرها عشرة بالمائة على جميع الواردات باستثناء تلك التي فرضت عليها الرسوم في المرحلة السابقة بنسبة خمسة وعشرين بالمائة وأيضا باستثناء بعض منتجات الطاقة وأشباه الموصلات وهذه الأخيرة منتجات فرضت على الدول المنتجة رسوم إضافية حسب التعريفات الجمركية التي تفرضها تلك الدول على الواردات الأميركية وأيضا حسب حجم الفائض التجاري في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
الأستاذ الجامعي كريستيان باون شرح في حديث لراديو رومانيا مدى تأثير الرسوم الجمركية على التبادلات التجارية بين الدول :”العجز التجاري الأمريكي في العلاقات مع سائر بلدان العالم مرتفع للغاية وكذلك هو العجز في الميزانية . لكن هذه الرسوم لا يمكن أن تحل مشكلة العجز بل على العكس تزيد الأمور تعقيدا. لأن فرض رسوم جمركية على المواد الخام والتجمعات الفرعية التي تستوردها أمريكا يؤدي حتما إلى إلارتفاع أسعار كل ما تنتجه الشركات الأمريكية بمقدار الرسوم الجمركية التي تفرضها أمريكا على دول المنشأ ولا أتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بنقل إنتاج جميع التجمعات الفرعية إلى داخها قريبا .
من ناحية أخرى فإن كل ما تصدره الولايات المتحدة من منتجات يصطدم بالرسوم الجمركية الانتقامية التي تفرضها الدول الأخرى على أمريكا مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع التي تقوم أمريكا بصنعها وتصديرها. لذا فهناك أثران اثنان على الأقل لهذه الرسوم الجمركية الجديدة وهما ارتفاع الأسعار في الداخل الأمريكي وانخفاض الاستهلاك المحلي من جهة وانخفاض إجمالي الرسوم التي ستجنيها أمريكا من جهة أخرى .فمن المعروف أنه لا يمكن تقليص العجز في الميزانية في ظل تراجع الاستهلاك . من جانب آخر فإن الصادرات الأمريكية ستكون أعلى تكلفة وأقل كفاءة وهو ما ليس من شأنه أن يؤدي إلى تقليص العجز التجاري. كما أن الشركات الأميركية ستخفض الإنتاج بسبب انخفاض الطلب الخارجي على منتجاتها .
وخلاصة القول إن ترامب لن يحقق أهدافه . فالدول بشكل عام لا تحقق أهدافها بالحمائية وإنما حرية التجارة هي بحسب كتب الاقتصاد السبيل الوحيد إلى الرخاء.”
طلبت دول عديدة التفاوض مع واشنطن قبيل دخول الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ فيما أعلن الرئيس ترامب تأجيلها لمدة تسعين يوما لعشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة باستثناء الصين التي فرض عليها دونالد ترامب رسوما جمركية بنسبة مائة وخمسة وأربعين بالمائة.وردت الصين برسوم مضادة انتقامية قدرها مائة وخمسة وعشرون بالمائة .
قيل آنذاك إن دونالد ترامب بفرضه رسوما جمركية غير مسبوقة أراد في الواقع إجبار الدول الأخرى على إجراء مفاوضات فيما وصف مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى الأمر بأنه إعادة تموضع ذكية للولايات المتحدة في النظام التجاري العالمي.
وقد رحب الاتحاد الأوروبي بتأجيل دخول الرسوم الجمركية الأمريكية حيز التنفيذ واعتبره خطوة هامة نحو استقرار الاقتصاد العالمي معلنا بدوره عن تأجيل التدابير المضادة لإعطاء المفاوضات فرصة للنجاح .