الحقبة الشيوعية بين الإدانة والحنين إلى الماضي
تقوم الحكومة بالتعاون مع معهد التحقيق في جرائم النظام الشيوعي بإعداد خطة عمل لرفع مستوى الوعي بجرائم النظام الشيوعي
Diana Baetelu, 31.12.2025, 15:30
يوصف شهر ديسمبر كانون الأول بشهر الأعياد الشتوية لكنه بالنسبة للرومانيين الشهر الذي يحيون فيه ذكرى الأحداث التاريخية التي وقعت في مثل هذا الوقت من عام 1989 وكان كثيرون منهم شهود عيان لها. فبعد أكثر من أربعين عاما من الحكم الشيوعي لحقت رومانيا بركب سائر دول الكتلة الاشتراكية في شرق أوروبا بإطاحتها بنظام نيكولاي تشاوشيسكو الشيوعي الديكتاتوري بعد أيام من الاحتجاجات في المدن الرئيسية أعرب فيها الرومانيون عن رفضهم القاطع للنظام الحاكم والفقر والتقشف الشديد ومظاهر العبادة لشخصية الزعيم الذي كان يحكمهم بقبضة من حديد ولشرطته السياسية الموجودة في كل مكان.
كانت ثورة عام 1989 في رومانيا الأكثر دموية في أوروبا الشرقية فقد سمع أثناءها دوي الرصاص وفاحت رائحة البارود من أماكن المواجهات وسقط فيها أكثر من ألف قتيل وأكثر من أربعة آلاف جريح. وبلغت الثورة ذروتها بهروب تشاوشيسكو وزجته وإلقاء القبض عليهما وإدانتهما وإعدامهما رميا بالرصاص في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1989.
بعد مرور ستة وثلاثين عاما على ثورة عام 1989 كشف استطلاع للآراء أجرته مؤسسة “إنسكوب” للدراسات الاستقصائية بالتعاون مع معهد التحقيق في جرائم النظام الشيوعي عن وجود فجوة عميقة بين واقع النظام الشيوعي والإدراك العام الحالي للحقبة الشيوعية . فقط أظهرت الدراسة أن رومانيين كثرا يعتبرون تلك الفترة إحدى أفضل الفترات في التاريخ الحديث في تجاهل تام للواقع التاريخي . فقد قال نحو خمسين بالمائة من المستطلعة آراؤهم إن الحياة كانت أفضل قبل عام 1989 واعتبر ستة وستون بالمائة منهم الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو قائدا جيدا.كما أظهرت الدراسة أن الحنين إلى الماضي منتشر على وجه خاص بين أفراد الفئات الضعيفة غير الراضين عن أوضاعهم المعيشية والاجتماعية. الخبراء يعزون الحنين إلى الماضي إلى السياسات العامة غير الناجعة وضعف التربية التاريخية.
لإعادة ربط علاقة المجتمع بالتاريخ الحديث وقيم الحرية والديمقراطية لا بد من الدفاع عن ذكرى ثورة عام 1989 المناهضة للشيوعية . وقال الرئيس الروماني السابق بين عامي 1996 و2000 إميل كونستانتينسكو في ندوة بعنوان “سقوط جدار برلين – أصداؤه وآثاره في شرق أوروبا” جرت في مدينة تيميشوارا إن نسيان ما حدث آنذاك هو جريمة أخلاقية. إميل كونستانتينسكو: ” إنه واجب علينا – نحن آخر من عاصروا ثورة عام 1989 أن نجيب عن سؤال جوهري : لماذا استبدلت أمنيات الحق والعدل التي ناضلت الجماهير في سبيلها ودفعت ثمنها من دمائها بالمجتمع الذي نشاهده اليوم والذي يمكن وصفه بمجتمع الأكاذيب والمصالح؟
الإجابة تكمن في قراءة تاريخ أوروبا الحديث ما بعد عام 1989- ذلك العام المفصلي في تاريخ العالم. أما إنكار الأهمية التاريخية لثورة ديسمبر عام 1989 في رومانيا وتزييف حقيقتها والتقليل من شأنها ونسيانها فتمثل جريمة أخلاقية جسيمة”.
واشار رئيس الجمهورية السابق إلى نقاط ضعف الديمقراطية التي تغذي الحنين إلى الحقبة الشيوعية :”بعد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي شهدت رومانيا خطوات غير متوقعة وغير سارة إلى الوراء أدت إلى تشويه صورة الحرية التي اكتسبها الشعب الروماني في عام 1989 وظهور الميل إلى أنظمة سياسية استبدادية أو شعبوية واستبدال الاقتصاد الحقيقي بالاقتصاد التضاربي فضلاعن انتشار التلاعب عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وإقامة مجتمع الأكاذيب. فبعد ستة وثلاثين عاما من سقوط جدار برلين الذي كان رمزا للانقسام بين الشرق والغرب نلاحظ رغم أنفنا أن الديمقراطية هشة ومعرضة للخطر في وجه العدوان الروسي في أوكرانيا الذي أرسى أسس تغلبيب حق القوة على قوة القانون.”
رئيس الجمهورية الحالي نيكوشور دان قال بدوره : “إن السبب الرئيسي وراء إعجاب الرومانيين المتزايد بالحقبة الشيوعية يكمن في خيبة الأمل العميقة من الطبقة السياسية على مدى العقود الثلاثة الماضية. وأردف قائلا إن الفساد وانعدام الشفافية وعدم الوفاء بالوعود والشعور بالظلم أضعفت ثقة الشعب بالحاضر والمستقبل كما أن الصورة الزائفة عن الحقبة الشيوعية تغذيها الحملات التضليل التي تحاول تقويض القيم الديمقراطية وتقديم صورة الماضي بغلاف لامع لإخفاء القمع والجوع وانعدام الحرية التي عانت منها الرومانيون في الحقبة الشيوعية .
ويرى الرئيس نيكوشور دان أنه “للحفاظ على الديمقراطية حية وفعالة علينا مكافحة التضليل بصرامة واستعادة ثقة الشعب عبر سياسات عامة سليمة وإعمار الشعور بالعدالة والمساواة والتنمية الحقيقية”.
المؤرخ البريطاني البروفيسور دينيس ديليتانت المتخصص في تاريخ رومانيا تحدث عن ضرورة إنشاء متحف للشيوعية لتعريف الشباب الذين لم يعاصروا الحقبة الشيوعي بالماضي في صورته الحقيقية:
“لا بد من إنشاء متحف الشيوعية لأن من عاشوا في ظل الحكم الشيوعي وخاصة أبناء جيلي يعرفون ما هي الشيوعية وكيف أثرت ولا تزال تؤثر في عقلية الناس.
أزور القرى الرومانية باستمرار وأتحدث مع الناس وخاصة المتقاعدين وأتعرف على رغباتهم وهمومهم ولكن ما يدهشني أنهم لا يعرفون إلا القليل عن تاريخ الشيوعية. يتذكرون التقشف الذي كات سيد الموقف في السنوات العشر الأخيرة من الحقبة الشيوعية النقص الشديد والمزمن للمواد الغذائية الأساسية ويعترفون بإن أوضاعهم المعيشية كانت رديئة آنذاك ولكن رغم ذلك يقولون إنه كان هناك بعض اليقين والثقة بالمستقبل في حين أن عدم اليقين الذي يكتنف المستقبل في الوقت الحالي يزعجهم كثيرا.”
خطة العمل التي يقوم بإعدادها مكتب رئيس الوزراء والهادفة إلى رفع مستوى الوعي بجرائم النظام الشيوعي تركز على التربية وتدريب مدرسي التاريخ بما يمكنهم من نقل المعلومات حول الحقبة الشيوعية بشكل صحيح.