الزيارات البابوية إلى رومانيا
في عام 2025 حل عيد القيامة عند الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت في آن واحد في العشرين من إبريل نيسان الماضي قبل يوم من وفاة البابا فرانسيس

Diana Baetelu, 17.05.2025, 15:30
في عام 2025 حل عيد القيامة عند الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت في آن واحد في العشرين من إبريل نيسان الماضي قبل يوم من وفاة البابا فرانسيس .المرحلة الانتقالية التي مرت بها الكنيسة الكاثوليكية بعد وفاة البابا أعادت إلى الواجهة أهم الأحداث التي كانت رومانيا فيها محط اهتمام الفاتيكان. فزيارتا البابا ايوحنا بولس الثاني في عام 1999 والبابا فرنسيس في عام 2019 لم تكونا مجرد حدثين دينيين فحسب بل مثلتا لحظات تاريخية في الحوار المسكوني وإعادة بناء الذاكرة الجماعية وإعادة التأكيد على القيم المشتركة بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. ففي أوروبا تتسم اليوم بالانقسامات وعدم اليقين تكتسب المناسبات التي يتجلى فيها الانفتاح والتضامن أهمية خاصة لتكون أمثلة للمصالحة والتعاون بروح إنسانية عميقة.
في الفترة ما بين السابع والتاسع من مايو أيار من عام 1999 قام البابا يوحنا بولس الثاني بزيارة تاريخية إلى رومانيا ليصبح أول حبر أعظم يشد الرحال إلى دولة ذات أغلبية أرثوذكسية بعد الانفصال بين الكنيستين الكاثوليكية الغربية والأرثوذكسية الشرقية في عام 1054. وكانت تلك الزيارة رمزا للمصالحة والحوار بين الكنيستين . فخلال إقامته في بوخارست حظي البابا يوحنا بولس الثاني باستقبال حار من قبل السلطات الرومانية وبطريرك الكنيسة الأرذوكسية الراحل تيوكتيست . وكانت مشاركة الرجلين الدينيين جنبا إلى جنب في القداديس التي أقيمت أثناء الزيارة ومن بينها قداس أرثوذكسي حضره البابا إلى جانب البرطيريك الروماني لحظة لم يشهد لها مثيل في تاريخ العلاقات بين الأديان.
بعد عقدين من تلك الزيارة وتحديدا في الفترة ما بين الحادي والثلاثين من مايوأيار و الثاني من يونيو حزيران عام 2019 قام البابا الراحل فرانسيس بزيارة لرومانيا جرت تحت شعار “دعونا نسير معا ” وهي زيارة رعوية ومسكونية أبرزت التزام البابا بالوحدة والتضامن. وقد أجرى البابا فرنسيس أنذاك لقاءات رسمية مع كبار الشخصيات الرومانية وأقام قداديس في أكثر من مكان في رومانيا ومنها العاصمة بوخارست حيث أقام قداسا في في كاتدرائية القديس يوسف الكاثوليكية وفي بلدة شوموليو تشوك حيث ترأس قداسا مخصصا للمجتمع المجري في المنطقة حضره ألوف الحجاج وكذلك في مدينة ياشي . وفي بلدة بلاج أقام البابا فرانسيس قداس تطويب سبعة أساقفة شهداء لكنيسة الروم الكاثوليك راحوا ضحية للنظام الشيوعي. وقد حظيت زيارة البابا فرانسيس بالتقدير لما حملته من رسائل حول الوحدة والسلام وتشجيع الحوار بين الأديان وتعزيز العلاقات بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية في رومانيا.
عن الزيارات البابوية وعلاقات رومانيا مع الكرسي الرسولي حدثنا السفير الروماني لدى الفاتيكان جورج بولوغان: “نحتفل هذا العام بالذكرى الخامسة والثلاثين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية في عام 1990بقرار من الجانبين. طوال تلك الفترة أتيح لي أن أكون شاهدا على لحظات تاريخية بالغة الأهمية مثل زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى رومانيا وكذلك الزيارة الرسولية للبابا فرنسيس . فعندما نتحدث عن الكرسي الرسولي نستحضر تاريخا عريقا ونتذكر مراسلات الأحبار الأعظمين مع أمراء الإمارتين الرومانيتين مولدوفا وفالاهيا مطلع القرن الرابع عشر وكذلك الخطوات التي قامت بها رومانيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين لإقامة علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان وفق المعايير الحديثة في الأول من يونيو حويران عام 1920 عندما كانت رومانيا بأمس الحاجة إلى شركاء وأصدقاء بغية الحصول على الاعتراف الدولية بالدولة الرومانية الموحدة التي أقيمت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .
المسكونية وإن بدت مسألة فنية لا يفهمها عامة الناس إلا أن لها دورا كبيرا في المجتمع لذا فإن الدولة تشجع الحركة المسكونية لضمان التوازن بين كافة شرائح المجتمع. كما أن المسكونية تشجعنا إن لم يتكن تلزمنا على إبداء الحد الأدنى من اللباقة والاحترام في الحياة اليومية – في العمل وفي العلاقات مع الجيران وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى فإن الحوار له أهميته لتفادي التقليل من شأن المسيحية. فالحوار بين الأديان هو بمثابة تمرين للتسامح مع بعضنا البعض والتعلم من بعضنا البعض. يمكنني القول بأن الزيارتين البابويتين لرومانيا في عامي 1999 و2019 انعشتا الأجواء وجعلتا المجتمع يشعر بفرحة الوحدة في التنوع “.
تبقى الزيارات البابوية معالم رمزية في التاريخ الحديث للعلاقات الدبلوماسية بين رومانيا والكرسي الرسولي ولها مساهمة هامة في سياق الجهود الرامية إلى تحقيق التقارب بين الأديان. إنها دليل على الإرادة المشتركة للمصالحة والانفتاح والوحدة التي تتجاوز الحواجز العقائدية وتركز على القيم العالمية: السلام والاحترام المتبادل والتضامن. وقد حظي البابوان باستقبال حار ومتحمس في رومانيا عكس رغبة سكانها العميقة في أن يكونوا طرفا فاعلا في الحوار الروحي والثقافي العالمي.
ففي سياق دولي يتسم بالتغيرات السريعة والانقسامات الإيديولوجية تبقى أهمية الدروس المستفادة من تلك الزيارات التي تذكرنا بأن الحوار الحقيقي والاحترام بين الأديان ليسا مجرد لفتات رمزية بل هي خطوات ملموسة نحو عالم أكثر تعاطفا وتضامنا . وقد أكدت رومانيا أثناء تلك الزيارات على دورها كجسر بين التقاليد والثقافات وساهمت بشكل فاعل في رسم ملامح أوروبا أكثر اتحادا وأكثر وعيا بجذورها.