رومانيا الأصيلة عبر عدسة مصور فوتوغرافي
ندعوكم اليوم إلى جولة عبر موجات الإثير في الريف الروماني رفقة المصور الفوتوغرافي إينو مايور
Diana Baetelu, 05.09.2023, 15:18
ندعوكم اليوم إلى جولة عبر موجات الإثير في الريف الروماني حيث الحضارة الشعبية السحيقة في القدم لنتعرف على نمط الحياة التقليدي لأناس يعيشون في عزلة شبه كاملة عن الحياة الحضرية. مرشدنا هو إينو مايور الممثل في مسرح “غونغ ” للأطفال والشباب في مدينة سيبيو الذي جاب البلاد طولا وعرضا لتصوير أناس ومناظر طبيعية تحبس الأنفاس.
قال إينو مايور عن بدايات مسيرته مع التصوير الفوتوغرافي:”قصتي مع التصوير الفوتوغرافي بدأت قبل ثماني سنوات من باب الصدفة . كنت أهوى الصيد بالصنارة ومارست تلك الهواية بشغف أشبه بالإدمان .. ولكن بعد فترة غيرت نمط حياتي كليا فتخيلت عن صيد السمك واتجهت إلى التصوير الفوتوغرافي حيث بدأت بتصوير المناظر الطبيعية .. بمرور الوقت أخذت أصور الطبيعة كخلفية للناس الذين التقيتهم في رحلاتي وذلك لجعل صوري أكثر حيوية وواقعية كما نصحني صديقي سورين أونيشور الذي تعرفت عليه بحضوري ورش العمل التي كان يقيمها لهواة التصوير. الحقيقة أنني تعلمت منه الكثير وخاصة كيف أبني علاقة صداقة مع الناس الذين أريد تصويرهم. في البداية كنت أخشى تصوير الناس لذلك اكتفيت بتصوير المناظر الطبيعية . كما تعلمون فإن بناء علاقة مع الناس أمر صعب لكن صديقي هذا يمتلك مهارات تفاعل متميزة بحيث يستطيع في ثوان معدودات أن يصبح صديق الكل وهذا ما حاولت تعلمه منه . شيئا فشيئا أخذت أضمن الناس في المناظر الطبيعية التي كنت أصورها ما أضفى عليها الحيوية وزاد من جمالها . خلال جولاتي تلك تعرفت على الحياة الريفية التقليدية وأخذت أصور القرى وسكانها . ليس لي أقارب في الريف لذلك ولم أقض طفولتي في القرية كغيري من الأطفال ولم أعرف شيئا عن الريفيين والحيوانات الأليفة ولا عن نمط الحياة التقليدي . لكني تعرفت على كل ذلك بفضل شغفي للتصوير الفوتوغرافي. الحقيقة أنني لا أحب الزحمة ولا الضجيج وأهرب إلى حيث الطبيعة كلما سنحت لي الفرصة “.
شروق الشمس فوق الجبل أو غروبها على الهضبة وتصاعب الضباب في سماء القرية واشجار متبعثرة هنا وهناك ورجال يعملون في الحقل وامرأة مسنة تحمل الحطب وراع ينزل من الجبل مع قطعان الأغنام وبقرة ترعى بهدوء . كلها تروي – عبر عدسة المصور إينو مايور – قصة أماكن في رومانيا العميقة . أماكن ربما لا يعرفها أحد — لا حتى الرومانيون أنفسهم :” التقاليد لا تزال حية في رومانيا مقارنة بدول أخرى في أوروبا والعالم . فالعادات والأزياء الشعبية والكنيسة القديمة والعربة المحملة بالقش التي تجرها خيول هي أشياء لم تعد موجودة في بلدان أخرى . الأجانب الذين يشاهدون في صوري أكوام القش في الحقول يسألونني “ما هي هذه الأكوام ؟” فهذه الأشياء اختفت عن المشهد في بلدانهم .. ولكن هذا هو التقليدي والقديم والإصيل في ريف رومانيا الذي نجد فيه وخاصة في جبال أبوسيني قرى صغيرة منسية تعود بنا مئات السنين إلى الوراء بحيث لا يمكن لمن يشاهد صورها تحديد تاريخ التقاطتها لا من قريب ولا من بعيد . أروع مكان في رومانيا والمكان المفضل لدي من زاوية المصور لجمال مناظره الطبيعية هو رية ونداتروا بونورولوي عند سفوح جبال شوريانو. القرية تلك تكتشف فيها دائما مشهدا لم تشاهده من قبل شياء حتى لو سبق وزرتها مرات ومرات . قد يكون ضبابا يلف قمة الجبل أو بخارا يتبدد في الهواء أو دخانا يتصاعد من كومة عش وقرويين مع حيواناتهم أليفة . ففي كل منعطف طريق وفي كل زاوية وخلف كل صخرة هناك شيء جدير بالتصوير. القرية تلك هي واحدة من أجمل الأماكن في رومانيا برأيي. إنها المكان الذي لا نزال نشاهد فيه العربة المحملة بالقش التي تجرها ثيران والجاموس الذي يجر المحراث والفلاح بزيه التقليدي ..هي المكان الذي نلمس فيه كرم الضيافة الذي يتميز به سكان تلك القرية المعزولة بسبب رداءة الطرق المؤدية إليها . القاطنون لمثل هذه القرى أكثر تواضعا وأقرب إلى ربنا وأكثر إيمانا به وأطيب قلبا. والأجانب يرغبون في زيارتها لأن نمط الحياة الريفي هذا غير موجود في بلدانهم وإن كان موجودا في زمن ما فإنما قبل مئات السينن.”
يتحدث إينو مايور عن فونداتورا بونورولوي بموضوعية بعيدا عن أي ادعاء بأن تكون تلك القرية الصغيرة مركز الكون – على حد تعبيره. يتحدث عن رومانيا الأصيلة وعن سكانها ومعظمهم من المسنين وعن كرمهم وتعاطفهم مع الآخرين :” أتذكر امرأة مسنة تعرفت عليها في منطقة ماراموريش في بداية مسيرتي مع التصوير الفتوغرافي قبل سبع سنوات تقريبا وكانت تبلغ الثانية والتسعين من العمر. رمبا رحلت عن عالمنا — لست أدري . فذهبت إلى بيتها وهو كوخ من الطوب والقش وأرضيته من التراب ولم يكن فيه سوى سرير وطاولة ومصباح كهربائي يتدلى من السقف وعلى الطاولة قشرة خبز. جلست على السرير وأشعة الشمس التي دخلت الكوخ عبر النافذة تضئ وجهها . كان المنظر رائعا . في لقائنا الأول تجاذبتنا أطراف الحديث إذ حاولت بناء علاقة صداقة معها قبل البدء بتصويرها وهو ما أفعله دائما في لقاءاتي الأولى مع الناس. فحدثتني عن أبنائها وأحفادها الذين هاجروا للعمل . لكن ما أريد أن أقوله عن تلك المرأة المسنة أنها أعطتني الست بيضات التي وجدتها في عش الدجاجة . ربما كانت الطعام الوحيد لديها وقتئذ ومع ذلك تخلت عنها من أجلي . رفضتها بالطبع لكنها لم تدعني أغادر إلا وأخذتها. “
يقول الخبراء إن ما يشاهدونه في صور إينو مايور يتجاوز تصوير المناظر الطبيعية أو الناس ليشكل شهادة قيمة على عالم يختفي تدريجيا بين طيات الحضارة العصرية :” إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو فإن العناصر القديمة والأصيلة والتقليدية ستستخفي — للأسف- لا سيما وأن ريفيين كثرا يعملون في الخارج . لقد هاجروا من جميع المناطق : من ماراموريس وبوكوفينا وترانسيلفانيا وإذا سألت القرويين سيقولون لك أنه لا توجد عائلة في القرية إلا وهاجر أحد أفرادها للعمل. يعملون في الخارج إلى أن يجمعوا بعض المال ثم يعودون إلى قراهم حيث يهدمون بيوتهم القديمة ويبنون أخرى جديدة هي نماذج للفن الهابط لا تمت لأسلوب البناء التقليدي بصلة . إنه شيء لا يصدق لكنه الحقيقة : المنازل التقليدية تختفي للأسف”.
دعونا نستمتع بهذ الجمال الأصيل ما دام موجودا .. لأنه سيختفي شيئا فشيئا لا محالة – بحسب إينو مايور- ولن يبق إلا في صوره وأمثاله من المصورين شاهدا على ما كانت عليه رومانيا في زمن مضى .