الهروب من الجيش الروماني إبان الحرب العالمية الأولى
دخلت رومانيا الحرب العالمية الأولى في شهر آب أغسطس عام 1916. وبعد هجوم أول ناجح في الشمال والشرق على طول جبال الكاربات انهزم الجيش الروماني أمام الجيوش الألمانية النمساوية المجرية.
Diana Baetelu, 08.06.2024, 15:30
الجندي المقاتل في الحرب بعد تجنيده في الجيش يتعرض لضغط شديد بسبب تأرجحه الدائم ما بين الحياة والموت وليس بسبب الخوف من المجهول أو انعدام الضمير والشجاعة لديه كما قد يظن البعض. فظروف الحرب القاسية للغاية دفعت ببعض الجنود إلى الهروب من الجيش في جميع النزاعات المسلحة التي شهدتها البشرية على مدى التاريخ بما فيها الحرب العالمية الأولى.
المؤرخة غابرييلا دريستارو الباحثة في معهد “نيكولاي إيورجا” للتاريخ في بوخارست بحثت ظاهرة الهروب من الجيش إبان الحرب العالمية الأولى:”أولى الدراسات البريطانية عن الهروب من الجيش تعود إلى عام 1980 بعد قرار السلطات برفع السرية عن الوثائق ذات الصلة .وقد حصل ذلك فعلا بعد فترة زمنية طويلة بقيت فيها تلك الوثائق سرية مراعاة للحياة الشخصية للمتهمين بالهروب من الجيش وعائلاتهم. وقد أظهرت الوثائق أن السبب الرئيسي للهروب من جبهات القتال في الحرب العالمية الأولى لم يكن الخوف كما ظن البعض آنذاك بل الضغط ما بعد الصدمة. واسنتنتجت تلك الوثائق أن أحكام الإعدام التي نفذت بحق ثلاثمائة وواحد وثلاثين جنديا بتهمة الهروب من الجيش كانت مجحفة وظالمة وأنه لا بد من رد الاعتبار لضحاياها.”
دخلت رومانيا الحرب العالمية الأولى في شهر آب أغسطس عام 1916. وبعد هجوم أول ناجح في الشمال والشرق على طول جبال الكاربات انهزم الجيش الروماني أمام الجيوش الألمانية النمساوية المجرية. وفي جنوب رومانيا مني الجيش الروماني هزيمة ثقيلة على يد الجيش البلغاري الألماني فأصبحت العاصمة بوخارست عرضة لخطر الاحتلال . وقد دارت معارك ضارية من أجل الدفاع عن العاصمة ومع ذلك احتل الجيش الألماني بوخارست في شهر ديسمبر كانون الاول عام 1916 فلجأت الأسرة المالكة والحكومة الرومانية إلى منطقة مولدوفا شرقي البلاد .
في عام 1917 تمكن الجيش الروماني وبدعم من البعثة العسكرية الفرنسية بقيادة الجنرال هنري بيرثيلو ومن الجيش الروسي الذي شارك في القتال إلى جانبه تمكن من صد هجمات الألمان في المعارك التي دارت شرقي رومانيا .لكن اندلاع الثورة البلشفية في خريف عام 1917 وتفكك الجيش الروسي أضعفا الجيش الروماني الذي أصبح غير قادر على التصدي للهجمات الألمانية فاضطر لعقد اتفاق سلام مع ألمانيا وحلفائها في مارس آذار عام 1918.
ظهرت حالات الهروب من الجيش بعد سقوط بوخارست ولجوء الأسرة المالكة والمسؤولين السياسيين إلى منطقة مولدوفا في عملية انحساب جرت بشكل متسرع وفوضوي في بعض الأحيان بحسب المصادر التاريخية والمذكرات. وقد درس المؤرخون الرومانيون أرشيفات الجيش وأعدوا تقارير إحصائية عن حالات الهروب من الجيش والعقوبات التي فرضت على المدانين حيث تبين أنه بحلول الأول من شهر يونيو حزيران عام 1918 مثلت قضايا الهروب من الجيش والجنح المرتبطة به ثلثي القضايا المتداولة أمام المحاكم العسكرية.
وكان القانون يعالج خمسة أنواع من الهروب هي الهروب من جبهة قتال داخلية والهروب داخل البلاد في زمن الحرب والهروب في وجه العدو والهروب إلى جيش العدو والهروب إلى بلد أجنبي. كما اعتبر القانون هروبا في زمن الحرب عدم الانصياع لأمر التجنيد والتعبئة وكذلك العصيان وإهانة الرؤساء وتشويه الذات.
درست غابرييلا دريستارو الوثائق الموجودة في أرشيفات محكمتين عسكريتين تابعتين لوحدتين كبيرتين في الجيش الروماني إبان الحرب العالمية الأولى هما الفرقة الخامسة والفرقة الثالثة عشرة. ولاحظت الباحثة قسوة العقوبات المفروضة على المدانين بالهروب وارتكاب الجنح المرتبطة به والتي كانت تذهب إلى حد حكم الإعدام مع التجريد العسكري إلا أن بعض القضاة لم يتسرعوا في إصدار الحكم بل أبدوا قدرا من الرأفة والرحمة :”على الرغم من أن الهروب من الجيش في زمن الحرب كان يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو حتى الإعدام إلا أن عدد الأحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة لم يتجاوز ثلاثة أحكام ولم تصدر سوى ثلاثة أحكام بالإعدام.”
“والجدير بالذكر أن المتهمين الستة في تلك القضايا أدينوا أيضا بتهم أخرى متصلة وهي القتل والنهب وتزوير الوثائق الرسمية وإهانة الرئيس. وفي المقابل كانت غالبية الأحكام الصادرة في قضايا الهروب من الجيش في زمن الحرب بالبراءة “.
أما أسباب الهروب من الجيش في زمن الحرب فلا علاقة لها بالتهرب من المسؤولية أو الخوف كما قد يظن البعض بل كانت الأسباب الرئيسية عاطفية نفسية صرفة ومن بين أهمها الحنين إلى المنزل والأسرة والرغبة في زيارة الأحباء لطمأنتهم والخوف عليهم والرغبة في عدم تركهم تحت رحمة العدو . وكان كثيرون من الهاربين يعودون إلى وحداتهم من تلقاء أنفسهم بعد بضعة أسابيع فقط . وكان سببا آخر للهروب الاسيتاء من القادة العسكريين والسياسيين:”مارسيل فونتين عضو البعثة العسكرية الفرنسية إلى رومانيا قال في مذكراته أن القادة الرومانيين قالوا له أن عدد الهاربين من الجيش كان كبيرا جدا بحيث تعذر على المحاكم إصدار أحكام الإعدام بحقهم أو فرض عقوبات قاسية للغاية لأن ذلك لم يكم ليؤدي إلا إلى تردي الأوضاع في جبهات القتال.”
“ولكن من جانب آخر لم يكن بإمكا قادة الجيش القيام بأي شيء لتغيير أو تحسين أوضاع الجنود . علاوة على ذلك تبنى قادة الجيش موقفا انهزاميا بمجرد ظهور بوادر تفكك الجيش الروسي التطورات التي حولهم كل يوم بشرت بالنهاية الوشيكة للحرب. كما أن دعاية القوى المركزية ساهمت في زيادة عدد حالات الهروب من الجيش الروماني.”