المؤرخ نيكولاي يورغا في ذكرايات معاصريه
بعض الشخصيات تترك ذكريات لا تنسى في ذاكرة معاصريها .إحدى تلك الشخصيات البارزة هو المؤرخ نيكولاي إيورغا
Diana Baetelu, 01.11.2025, 15:30
بعض الشخصيات تترك ذكريات لا تنسى في ذاكرة معاصريها .إحدى تلك الشخصيات البارزة هو المؤرخ نيكولاي إيورغا. كان رجلا طويل القامة له لحية طويلة وكان مظهره يكفيبحد ذاته لترك انطباع قوي لدى الناس من حوله لكن أكثر ما لفت اهتمام معاصريه هي أعماله العلمية العديدة وبالغة الأهمية إذ إن يورغا كان مؤرخا وفيلسوفا وأديبا وأتساذا جامعيا ورجل سياسة. انخرط في السياسة وقام في عام 1910 بتأسيس حزب ذي اتجاه قومي من المنشقين عن حزب المحافظين.
ولد نيكولاي يورغا في عام 1870 في مدينة بوتوشاني شمال شرقي رومانيا لوالدين من أصول يونانية. درس التاريخ في جامعة ياشي وثم في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في فرنسا وكذلك في جامعة لايبزيغ الألمانية .ترك إرثا ضخما من الأعمال العملية يعد ما لا يقل عن عشرين ألف عنوان بين دراسات وكتب ومقالات صحفية ومحاضرات في التاريخ والأدب والفلسفة والسياسية. لذا فيعتبر يورغا أكثر العلماء الرومانيين إنتاجا. كان عضوا في مجلس الشيوخ ونائبا في البرلمان وعضوا في مجلس التاج بين عامي 1938 و1940 وعارض بصفته تلك الانصياع للإنذار الذي وجهه الاتحاد السوفيتي للحكومة الرومانية في شهر يونيو حزيران عام 1940 والذي طالبتها فيه بتسليم منطقة بيسارابيا وشمال بوكوفينا إليه. فدعا يورغا إلى المقاومة المسلحة. كان رئيسا للوزراء في الفترة ما ببن شهر إبريل نيسنان من عام 1931 ويونيو حزيران من عام 1932.
في السابع والعشرين من شهر نوفمبرتشرين الثاني عام 1940 داهمت عناصر للحرس الحديدي اليميني المتطرف منزله قرب مدينة سينايا الجبلية واقتادته إلى غابة بجوار بوخارست حيث قتلته رميا بالرصاص. وأعلنت حركة الحرس الحديدي أن تصفية يورغا جاءت انتقاما على دوره في اعتقال زعيم الحركة كورنيليو زيليا كودريانو واغتياله في عام 1938.
تكريما لمساهمة يورغا في تطوير البحث العلمي التاريخي سمي معهد التاريخ التابع للأكاديمية الرومانية باسمه كما نصبت له تماثيل في أنحاء البلاد وأطلق اسمه على العديد من الشوارع في بوخارست ومدن أخرى .
المؤرخة إليزا كامبوس درست التاريخ على يد الأستاذ تيكولاي يورغا أوائل ثلاثينيات القرن الماضي . وفي عام 1999 أعربت في حديث لمركز التاريخ المروي التابع للإذاعة رومانيا عن احترامها العميق لأستاذها :”ركزت على دراسة التاريخ العالمي وهو المجال الذي أشرف عليه أستاذنا الفاضل نيكولاي إيورغا. منذ البداية كانت علاقتي به ودية للغاية. عندما رآني اتشح السواد حدادا على وفاة والدي سألني عما إذا كنت بحاجة إلى المساعدة وما إذا كنت أريد أن يوصي بي كمدرسة خصوصية لكسب زرقي . لكنني كنت قد بدأت العمل للتوه كمدرسة في مدرسة عامة ولم أكن بحاجة إلى المال. ولكن منذ ذلك الحين أصبحت علاقتي بالأستاذ يورغا وثيقة للغاية. كان يدعوني إلى منزله ليعيرني كتبا من مكتبته الخاصة.
وبعد التخرج استمررت في حضور دروسه ومحاضراته بانتظام لمدة عام كما لو كنت لا أزال طالبة لديه. أتذكر أيضا أنني كنت أذهب إلى منزله لأناقش معه مشروع التخرج التي كنت بصدد إعداده وكان دائما يعطيني دراسات وكتبا مفيدة حول موضوع مشروعي . ذات مرة تلقى اتصالا هاتفيا وسمعته يقول: «لا سيدي لا أستطيع الحضور الآن لأن لدي طلابا في المنزل ». كان الاتصال من الملك كارول الثاني الذي دعا يورغا إلى القصر لكن الأستاذ رفض الدعوة لأنه كان مشغولا مع طلابه. كان يورغا شخصية مستقلة فخورة وحرص على التقارب مع طلابه عاقدا العزم على أن يجعل منهم مؤرخين محترمين .”
المهندس باول شتيوبي عمل في الإذاعة الرومانية منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي عام 1994 تذكر المحاضرات التي كان يورغا يلقيها من وراء ميكروفون الإذاعة : “كان معه دائما نص المحاضرة لكنه كان يفضل أن يتحدث بحرية في جميع المؤتمرات والمناسبات العامة التي كان يحضرها . وفي الإذاعة أيضا كان ينحرف عن النص المكتوب وينتقل إلى مواضيع أخرى بعضها حساس لكنه كان يتناول تلك المواضيع بالتشبيه الضمني فقط . ذات مرة جاء المدير العام للإذاعة نيكولاي ساراتسيانو بينما كان يرغا يلقي محاضرة في الأستوديو وطلب مني أن أترك له الضغط على زر كتم الصوت. كان يخشى أن يقول يورغا شيئا ضد الألمان. ففي ذلك الوقت كانت رومانيا حليفة لألمانيا في الحرب العالمية الثانية وكان الألمان متواجدين في البلاد بأعداد كبيرة”.
تدهورت الحياة الديمقراطية في رومانيا أواخر الثلاثينيات بعد أن أقال الملك كارول الثاني الحكومة وحل الأحزاب وقام بتأسيس جبهة النهضة الوطنية تمهيدا لتفرده بالسلطة. وقد انضم يورغا إلى جبهة النهضة الوطنية التي كانت في الواقع حزبا شمولياعلى غرار الحزب الواحد .
المؤرخ الأدبي غابرييل تسيبيليا كان في الفترة ما بين الحربين العالميتين عضوا في الحزب الوطني الفلاحي ولم يحتفظ بذكريات طيبة عن يورغا في تلك الفترة : “أتذكره جيدا كما لو كنت ما زلت أره اليوم بلحيته الطويلة كلحية البطريرك مرتديا الزي العسكري الأزرق لأعضاء جبهة النهضة الوطنية غير أنه كان مستشارا للملك ! من الغرابة بمكان أن شخصيات عملاقة ثقافيا لم ترق إلى المستوى المطلوب في السياسة بحيث تمنع الملك كارول الثاني من تطبيق طموحاته السياسية الشخصية على الأرض بل سايرته بلا تردد !!”