خمسة وثلاثون عاما على نشر إعلان تيميشورا
الأشهر التي تلت ثورة ديسمبر عام 1989 في رومانيا وسقوط نظام تشاوشيسكو الشيوعي وجدت المجتمع في حالة ارتباك شديد
Diana Baetelu, 12.04.2025, 15:35
الأشهر التي تلت ثورة ديسمبر عام 1989 في رومانيا وسقوط نظام تشاوشيسكو الشيوعي وجدت المجتمع في حالة ارتباك شديد وهو يحاول إيجاد الذات والخروج إلى النور بعد عقود طويلة من الظلام الشيوعي . ففي شهر مارس آذار من عام 1990 أي بعد ثلاثة أشهر فقط على الثورة قامت مجموعة من المناضلين في الثورة بمدينة تيميشوارا غرب البلاد بصياغة ما يعرف في تاريخ رومانيا الحديث بإعلان تيميشوارا وهو بيان حدد فيه المجتمع المدني الشروط التي كان ينبغي استيفاؤها للتحول من دولة شيوعية توتاليتارية إلى دولة ديمقراطية .
وبعد مرور خمسة وثلاثين عاما على نشر إعلان تيميشوارا يرى إيوان ستانومير الأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة بوخارست أن المجتمع الروماني أو الجانب الأكبر منه كان وقت صدور الإعلان لا يزال حبيسا للماضي وغير قادر على التحرر منه :” إعلان تيميشوارا يعكس رؤية جزء من المجتمع الروماني آنذاك عن سبل الانتقال إلى المجتمع الديمقراطي . فقد بقي عام 1990 في التاريخ الحديث كالعام الذي صدر فيه إعلان تيميشوارا وأجريت فيه في شهر مايو أيار أولى الانتخابات الحرة بعد أكثر من خسمة وأربعين عاما من الحكم الدكتاتوري ولكنه أيضا عام قدوم عمال المناجم إلى بوخارست في يونيو حزيران لتفريق المحتجين على نتيجة انتخابات مايو التي كانت بمثابة استفتاء شعبي على انتخاب يون إيلييسكو زعيم جبهة الإنقاذ الوطني رئيسا لرومانيا .
إنه العام الذي بدأ في أجواء مفعمة بالأمل وانتهى بهيمنة جبهة الإنقاذ الوطني على المشهد السياسي. إعلان تيميشوارا كان مبادرة منفدرة منقطعة النظير في المجتمع الروماني آنذاك لأن المطالب التي تضمنها اختلفت عن تطلعات غالبية الرومانيين لدرجة أنه يمكن القول بأن إعلان تيميشوارا كان مسعى عكس التيار لكنه كان تجسيدا لرؤية مستقبلية صائبة بدليل أن الأهداف التي أعلن عنها هي ذات الأهداف التي سعينا إلى تحقيقها على مدى الخمسة وثلاثين عاما الماضية.”
أهم مطالب إعلان تيميشوارا تمثلت في الانتقال إلى اقتصاد السوق وضمان حرية التعبير والتعددية الحزبية وسائر الحقوق الأساسية . ومع ذلك يعتقد إيوان ستانومير أن جل الرومانيين فسروا تلك الأهداف على طريقتهم الخاصة وهو تفسير مختلف تماما عما آل إليه بعد خمسة وثلاثين عاما من نشر إعلان تيميشوارا :” اقتصاد السوق وهو أحد الأهداف المعلن عنها في إعلان تيميشوارا لم يكن يعني لمعظم الرومانيين السوق الحرة بل كان يعني الوفرة التي افتقدوها في الحقبة الشيوعية .كما أن الحرية لم تكن تعني التعددية بل الحرية في إطار جبهة الإنقاذ الوطني في حي أن التعددية الحزبية لم تكن تعني المواجهة الحرة بين الأحزاب بل الالتفاف حول جبهة الإنقاذ الوطني. يكفي أن نشاهد مقاطع الفيديو العائدة إلى مطلع التسعينيات لندرك كم كان المجتمع الروماني فقيرا ومصدوما وغير ناضج آنذاك “.
ما هو دور إعلان تيميشوارا في الإصلاحات التي أجريت بعد عام 1989؟ إيوان ستانومير من جديد : “إنه وثيقة انطبقت على أوروبا الوسطى كلها في تلك الفترة وكان من الممكن أن نراها تصدر في جمهورية التشيك أو المجر أو بولندا على السواء . ولقد حظيت رومانيا بغربها المنفتح على العالم متمثلا في مدينة تيميشوارا التي تصدرت مساعي اللحاق بأوروبا الغربية واختلفت تماما من هذه الناحية عن المدن الأخرى بما فيه بوخارست .
فقد دأب أصحاب إعلان تيميشوارا على صياغة استراتيجية للمستقبل والترويج له رغم ما تعرضوا له من تنديد وإقصاء . لذا فعلينا أن نكون ممتنين لهم هم وليس للفائزين بانتخابات عام 1990 . فهولاء حكموا وفق نظرة آنية في حين أن كتاب إعلان تيميشوارا فكروا في الأجيال القادمة في المقام الأول أملا في أن يروها تنشأ في مجتمع حر.”
المادة الأكثر إثارة للجدل في إعلان تيميشوارا هي المادة الثامنة التي دعت إلى الإقصاء السياسي للمسؤولين الشيوعيين السابقين وعناصر جهاز الأمن القمعي الشيوعي وهو المسعى الذي أطلق عليه “التطهير” وعرفته الدول الشيوعية السابقة كافة . إيوان ستانومير مرة أخرى :
“كان التطهير محاولة لمنع أفراد الطبقة الحاكمة الشيوعية بما فيها الشرطة السياسية من الوصول إلى المناصب العامة سواء بالانتخاب أو التعيين . السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يجر تطبيق هذه المادة في الحياة العامة ؟ لأن التطهير كان سيفرض على الشعب الروماني الانفصال عن ابنهم العزيز أيون إيلييسكو أول رئيس لرومانيا بعد سقوط النظام الشيوعي الذي حظي بشعبية كبيرة لدى جل المواطنين رغم أنه كان واحدا من مسؤولي الصف الثاني في الحزب الشيوعي قلب عام 1989 .
ولكن إيون إيلييسكو لعام 1990 اختلف عن إيون إيلييسكو لمطلع الألفية الثالثة الذي أشرف على عملية انضمام رومانيا إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ذلك أن إيون إيلييسكو لعام 1990 كان أقرب إلى الزعماء الشيوعيين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي منه إلى الرئيس المتوازن الذي كان سيتحول إليه في فترته الرئاسية الثانية بين عامي 2000 و2004. “
ماذا يعني إعلان تيميشوارا اليوم ؟ إيوان ستانومير: “إنه في الواقع البوصلة التي يجب أن نسترشد بها . إنه رمز للكرامة الإنسانية والتعددية والحرية واقتصاد السوق والتوجه إلى الغرب وحب الوطن .
يجب علينا أن نعيد للعمل الكرامة التي يتستحقها وليس الكرامة بالمعنى الشائع في الحقبة الشيوعية .فالنظام الشيوعي لم يتردد في قمع الكادحين واضطهادهم والحزب الشيوعي بمختلف أشكاله عبر التاريخ لم يمثل الكادحين الذين كان يتحدث باسمهم. كرامة العمل تعني كرامة الإنسان واحترام الكادحين والمبدعين .كما أن احترام الآخر هو أساس الديمقراطية والبديل الوحيد للهمجية والاستبداد والشمولية.”