مطبوعات رومانية لمسيحيي بلاد الشام
كانت إماراتا مولدوفا وفالاهيا الرومانيتان في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر جزءا من عالم الشرق الخاضع لسيطرة الإمبراطورية العثمانية
Diana Baetelu, 20.09.2025, 15:30
كانت إماراتا مولدوفا وفالاهيا الرومانيتان في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر جزءا من عالم الشرق الخاضع لسيطرة الإمبراطورية العثمانية بما ترتب على ذلك من انتشارواسع للنموذجين الثقافي والحضاري الشرقيين في كلاهما . في تلك الفترة ساعد حكام الإمارتين مسيحيي بلاد الشام على الحصول على كتب كنسية باللغة العربية مطبوعة في المراكز الثقافية التابعة للأديرة الرومانية مستغلين موقع الإمارتين في أطراف ساحة التوسع الإسلامي.
بوليكارب كيتسوليسكو المتخصص في الكتب القديمة النادرة حدثنا عن أهمية الكتب التي طبعت في الغمارتين الرومانيتين لمسيحيي بلاد الشام: “لم تكن مجتمعات المسييحيين في الإسكندرية والقدس وبيروت وغيرها من المدن في المنطقة تملك الإمكانات اللازمة لطباعة الكتب الدينية والكنسية باللغة العربية. لماذا ؟ لأن الإمبراطورية العثمانية كانت تمارس التمييز ضد المسيحيين اقتصاديا واجتماعيا.
على سبيل المثال غالبا ما كان المسيحيون مضطرين إلى التخلي عن إيمانهم لعجزهم عن دفع الضرائب المفروضة عليهم والتي كانت أعلى من ضرائب الآخرين .فعدم تمكنهم من دفع الضرائب أدى كذلك إلى فقدانهم كنائسهم ومعها المراكز التي كانت تطبع الكتب الدينية والكنسية بما ترتب على ذلك من فقدان لسبل الحقفظ على إيمانهم وممارسة الطقوس الدينية المسيحية.فما كان من بطاركة أنطاكية والإسكندرية والقدس والقسطنطينية إلا شد الرحال إلى بلدان مسيحية رغم طول السفر ومشاقه بحثا عن مساعدات للمجتمعات المسيحية التي كانت تواجه صعوبات جسيمة في سعيها إلى البقاء.”
تاريخ النصوص المطبوعة باللغة العربيبة في الإمارتين الرومانيتين للمسيحيين في بلاد الشام يعود إلى أواخر القرن السابع عشر. بوليكارب كييتسوليسكو:”في عهد حاكم إمارة فالاهيا كنستنتين برانكوفين ومعاصره المطران أنتيم المعروف بشغفه لفن الطباعة وإتقانه تقنياته تمت طباعة نصوص دينية باللغة العربية للأرثوذكس في بلاد الشام وذلك لأول مرة في التاريخ . فأول كتاب كنسي لأولائك المسيحيين طبع في دير سناغوف عام 1701 وكان عبارة عن مجموعة قراءات.
ولم يكتف الأمير برانكوفياتو برعاية طباعة الكتب الدينية الأولى باللغة العربية بل قام أيضا بتمويل أجهزة الطباعة ومستلزماتها . ويبدو أن البطريرك أثناسيوس الثالث الدباس الدمشقي الذي كان صديقا مقربا للأمر برانكوفينو والمطران أنتيم أخذ معه لدى عودته إلى داره ليس فقط كتابين باللغة العربية طبعا في دير سناغوف وفي بوخارست بين عامي 1701 و1702 فحسب بل أخذ أيضا أجهزة مطبعة وحرفيين للتدريب على تقنيات الطباعة. وبذلك ساهم الأمير برانكوفيانو في إنشاء مطبعة في حلب بسوريا حفظ إلى يومنا هذا من مطبوعاتها إنجيل صدرعام 1706 وكتاب مزامير طبع في نفس العام ويحمل شعار شعار عائلة برانكوفيانو امتنانا للأمير الروماني على تمويله إنشاء المطبعة بمدينة حلب”.
انصب اهتمام الأمير برانكوفينو والمطران أنتيم أيضا على مناطق أخرى ومنها القوقاز:”ساهم الأمير برانكوفينوفي طباعة إنجيل في تبليسي عام ١٧٠٩ للمسيحيين الجورجيين يحمل توقيع المطران أنتيم . بذلك أرادت المطبعة أن تعبر عن امتنانها للأمير والمطران على تمويلهما إنشاء تلك المطبعة للمسيحيين في القوقاز.”
عن أهمية الكتب الكنسية لمسيحيي بلاد الشام قال بوليكارب كيتسوليسكو: “عرف الشرق باهتمامه بالشعر والصلاة والتصوف أكثر منه باللاهوت بيد أن الشرق كان منشأ لعلماء عقائديين بارزين مثل القديس يوحنا الدمشقي.فالشرق تجنب التأمل العقائدي عموما واتجه أكثر إلى التربية الدينية عبر القداديس والصلوات في الكائس. والدليل على ذلك أن أولى المطبوعات الدينية الأرثوذكسية باللغة العربية هي كتب القراءات.
استمرت الطباعة في مدينة حلب في السنوات التالية وتحديدا حتى عام 1711 وكان من بين مطبوعاتها الأنجيل مع التعليقات وكتاب المزامير ورسالة التوبة بالإضافة إلى مجموعات الخطب الدينية وما إلى ذلك. “
وفاة الأمير قبرانكوفينو عام 1714 لم تؤد إلى وقف الدعم للمسيحيين في الشرق الأوسط:”استمرت الإمارتان الرومانيتان في دعم المسيحيين في بلاد الشام. في منتصف القرن الثامن عشر زار البطريرك سيلفستر الأنطاكي إمارتي فالاهيا ومولدوفا والتقى حاكميهما الأميرين كستنتين ويوان مافروكوردات اللذين قاما بتمويل طباعة بعض الكتب الدينية.
في منتصف القرن الثامن عشر طبع المزيد من الكتب الدينية باللغة العربية في مدينة ياش مركز إمارة مولدوفا وأيضا في بوخارست عاصمة إمارة فالاهيا . فقد قام البطريرك سيلفستر بطباعة عدد من الكتب في كلا المدينتين ومنها كتب الصلوات وأخرى عبر فيها البطريرك عن موقف الكنيسة الأرثوذكسية في مواجعة التحديات الناجمة عن اتحاد جزء من كنيسة أنطاكيا مع روما عام 1724.”