رد الاعتبار للوزير الشيوعي لوكريتسيو باتراشكانو
في السادس عشر من إبريل/ نيسان 1954 عام أعدم لوكريتسيو باتراشكانو المحامي وعالم الاجتماع والعضو البارز في الحزب الشيوعي الروماني رميا بالرصاص في سجن جيلافا قرب بوخارست
Diana Baetelu, 11.10.2025, 15:30
في السادس عشر من إبريل نيسان 1954 عام أعدم لوكريتسيو باتراشكانو المحامي وعالم الاجتماع والعضو البارز في الحزب الشيوعي الروماني رميا بالرصاص في سجن جيلافا قرب بوخارست . كانت تلك نهاية مأساوية لمسيرة رجل ساذج آمن أشد إيمان بالشيوعية ووعودها الكاذية بجلب السعادة إلى الشعوب .
كان لوكريتسيو باتراشكانو في الثالثة والخمسين من العمر يوم تنفيذ حكم الإعدام بحقه . ولد عام 1900 في مدينة باكو وكان أبوه أستاذ تاريخ وكانت أمه سليلة عائلة ارسطقراطية .نال درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لايبزيغ الألمانية واحتضن العقيدة الماركسية عن قناعة. كان واحدا من الأعضاء المؤسسين للحزب الشيوعي الروماني منذ عام 1919 عندما انضم إلى الحزب الاشتراكي الروماني . ألّف مقالات في القانون والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد. عين وزيرا للعدل عقب فسخ رومانيا تحالفها مع ألمانيا النازية وانضمامها إلى صفوف الحلفاء في الثالث والعشرين من آب أغسطس عام 1944 . وفي عام 1945 انخرط مع غيره من الشيوعيين في عملية تحويل رومانيا من دولة يحكمها نظام ديمقراطي ليبرالي إلى دولة شيوعية يحكمها نظام استبدادي فقام بتأسيس ما عرف بمحاكم الشعب على الطريقة الستالينية لمعاقبة من كان النظام الشيوعي يعتبرهم أعداء له وللشعب.
في أوائل الأربعينيات بدأت القيادة الشيوعية توجه إليه تهما خطيرة، منها معارضة السياسات الستالينية التي كانت تتبع حرفيا في رومانيا آنذاك، والتعامل مع العقيدة الاشتراكية من منظور برجوازي. في خطاب ألقاه أمام الطلاب الجامعيين في مدينة كلوج، قال باتراشكانو “أنا روماني قبل أن أكون شيوعيا”. وسرعان ما اتهمه الحزب الشيوعي بالانحراف نحو القومية والشوفينية. وأخيرا في عام 1948 اتهم باتراشكانو رسميا بالانحراف نحو القومية البورجوازية والشوفينية، والتجسس لصالح بريطانيا، والتعاون مع المخابرات الرومانية ما قبل عام 1945، فأقيل من جميع مناصبه ووضع قيد الإقامة الجبرية.
في الواقع كان باتراشكانو وقتئذ على خلاف شديد مع زعيم الحزب الشيوعي غورغي غورغيو ديج، فقرر الأخير التخلص منه بتطبيق النموذج الستاليني لتصفية المنافسين.
بعد وفاة غورغيو ديج في عام 1965، انتخب الحزب الشيوعي زعيما جديدا أصغر سنا وأكثر طموحا هو نيكولاي تشاوشيسكو. ولم يمض وقت طويل حتى بدأ تشاوشيسكو يعمل جاهدا على إقصاء ممثلي الحرس القديم من معاوني غورغيو ديج، وفي مقدمتهم وزير الداخلية ألكسندرو دراغيتشي. فكانت أسهل وسيلة لتحقيق ذلك رد الاعتبار لباتراشكانو، وتوجيه أصابع الاتهام إلى معاوني غورغيو ديج السابقين بخصوص إدانته وإعدامه.
في حديث إلى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية أدلى به عام 2022 سرد الجنرال نياغو كوزما القيادي السابق في جهاز الأمن الأحداث التي سبقت رد الاعتبار لباتراشكانو:
“أراد تشاوشيسكو التخلص من وزير الداخلية دراغيتش، أحد ممثلي الحرس القديم فرأى في تحميله مسؤولية إدانة باتراشكانو وإعدامه سبيلا إلى ذلك، لاسيما وأن جزءا من التحقيقات مع باتراشكانو تمهيدا لمحاكمته وإعدامه، أجريت في وزارة الداخلية. فاستدعى تشاوشيسكو رئيس جهاز الأمن الداخلي يون ستانيسكو وسأله عما إذا كانت توجد في الأرشيف وثائق حول قضية باتراشكانوـ وطالبه بإخراجها والتدقيق فيها. لكن دراغيتس كان قد نظم كل ملفات قضية باتراشكانو بشكل جيد، لتكون في متناول اليد في أية لحظة وكأنه كان قد أدرك أنه مستهدف، وأن شيئا ما يجري تدبيره ضده خلف الكواليس. ولكن بدلا من أن يدافع عن نفسه ويخفي الوثائق التي كان يمكن أن تثير تساؤلات حول دوره في التحقيقات قام بتنظيم كل الملفات وترتيبها بشكل جيد.”
لإضفاء الشرعية على قرار إقصاء دراغيتش، قرر تشاوشيسكو تشكيل لجنة تحقيق وكلفها بمراجعة قضية باتراشكانو:
“قام تشاوشيسكو بتشكيل لجنة تحقيق ضم إليها المدعي العام لرومانيا ووزير العدل ورئيس قسم الكوادرفي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وغيرهم بالإضافة إلى أحد أعضاء القسم العسكري في اللجنة المركزية الذي عينه أمينا لجنة التحقيق. فكان المطلوب من اللجنة إثبات براءة باتراشكانو بما لا يترك مجالا للشك وإعداد تقرير تؤكد فيه أن التهم التي وجهت إليه واهية وملفقة . فد افتقر تقرير لجنة التحقيق إلى الحد الأدنى من الموضوعية وكتب بلغة انفعالية مبالغ فيها ليخلص إلى أن باتراشكانو كان ضحية بريئة وأن قصة تجسسه لصالح الإنجليز لم تكن سوى افتراء لجهاز الأمن.”
بعد عشرات السنوات من تلك الأحداث حاول الجنرال نياغو كوزما مقاربة قضية باتراشكانو بموضوعية: “لا أشكك في ولاء باتراشكانو للحزب ووطنيته ولا في مهاراته المهنية والفكرية. لقد التقيته وأدركت أنه رجل مميز. لكن من الؤكد أنه كانت له اتصالات وعلاقات معينة.
لا أقول إنه كان عميلا للاستخبارات الإنكليزية لكنه كان على علاقة معها. كان يدرك أن وضع رومانيا بات صعبا للغاية بعد احتلالها من قبل الجيش الروسي في عام 1945 وأن الخلاص لا يمكن أن يأتي إلا من الغرب فناقش الأمر مع مسؤولين غربيين أثناء حضوره مؤتمر باريس للسلام رغبة منهم في تقييم الوضع من منظور الجهات الغربية فعرضوا عليه البقاء في الغرب.
مهما يكن من أمر لا يمكن تبرير التهم الخطيرة التي وجهت إلى باتراشكانو وأدت إلى إصدار حكم الإعدام ضده باتصالاته بجهات خارجية ولاتي حصلت بالفعل. لكنها تحولت في قراءة تشاوشيسكو إلى لغو وهراء. “
رد تشاوشيسكو الاعتبار لباتراشكانو بحماس شديد ولكن فقط بعد أن حصل على الإجابة المرجوة من رئيس جهاز الأمن : “أدين باتراشكانو بتلك المهم الخطيرة بأمر من القيادة العليا للدولة .فقبل إعدامه وقع أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي وثيقة طالبوا فيها بتنفيذ حكم الإعدام بحق باتراشكانو.ولكن تشواشيسكو لم يكن يتذكر ما إذا كان هو الآخر قد وقع تلك الوثيقة فسأل رئيس جهاز الأمن ستانيسكو عن ذلك ولم يمض قدما في إجراءات رد الاعتبار لباتراشكانو إلا بعد أن أخبره ستانيسكو بأن اسمه لا يرد في الوثيقة. “
رد الاعتبار لباتراشكانو وإقصاء وزير الداخلية ألكساندروا دراغيتشي ساهما في تعزيز موقف تشاوشيسكو في قيادة الحزب الشيوعي وتقديمه للرأي العام في صورة الزعيم العادل والمنصف.