مطبوعات محظورة في الحقبة الشيوعية
تولى الشيوعيون السلطة في رومانيا في السادس من مارس آذارعام 1945 بدعم من الاتحاد السوفيتي في ظل احتلال الجيش الأحمر للبلاد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية
Diana Baetelu, 08.11.2025, 15:30
تولى الشيوعيون السلطة في رومانيا في السادس من مارس آذارعام 1945 بدعم من الاتحاد السوفيتي في ظل احتلال الجيش الأحمر للبلاد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان تنصيب الحكومة الموالية لموسكو نقطة الانطلاق لعملية شاملة لإعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها وجميع قطاعات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطنين . فلم يترك الحزب الشيوعي مجالا إلا وأخضعه لرقابة صارمة لجعله متطابقا مع الأيديولوجية الماركسية اللينينية والنموذج السوفيتي. عملية كان الحظر والعنف والعقوبات الرادعة سامتها الرئيسيىة رغم مزاعم الدعاية الرسمية بأن النظام الشيوعي يروج للحرية والسلم الاجتماعي والتسامح .
في محاولة لطمس ماضي البلاد ما قبل عام 1945 فرض النظام رقابة صارمة على جميع المطبوعات و المنشورات التي صدرت قبل ذلك التاريخ وقرر تأسيس ما عرفت بمجموعة المطبوعات السرية أو المجموعة الخاصة التي تم تكوينها في المؤسسات الثقافية والمكتبات والأرشيفات . وكانت واحدة من تلك المجموعات الخاصة موجودة في مكتبة الأكاديمية الرومانية في بوخارست .
المجموعة السرية التابعة لمكتبة الأكاديمية الرومانية تكونت بعد فترة وجيزة من فسخ رومانيا تحالفها مع ألمانيا النازية وانتضمامها إلى القوات المتحالفة في آب أغسطس عام 1944 وبعد أشهر قليلة من احتلال القوات السوفيتية للبلاد. ففي شهر ديسمبر كانون الأول عام 1944 أرسلت وزارة الخارجية رسالة إلى الأكاديمية الرومانية طالبتها فيها بإيفاد مندوب لها إلى الاجتماع الذي كان سيناقش سبل تطبيق المادة 16 من اتفاقية الهدنة الموقعة مع الأمم المتحدة. وجاء في الرسالة أن “طباعة واستيراد وتوزيع المنشورات الدورية وغير الدورية في رومانيا وإقامة العروض المسرحية وعرض الأفلام يجب أن تكون متطابقة مع متطلبات القيادة العليا للحلفاء”.
فقد أوفدت الأكاديمية الرومانية إلى ذلك الاجتماع أمين المكتبة ترايان بوبوفيتشي وناقش المشاركون في الاجتماع حظر كافة المنشورات المناهضة للسوفييت والمؤيدة للفاشية وتشكيل لجنة رقابة على جميع المنشورات والمطبوعات فضلا عن إتلاف المطبوعات المناهضة للسوفييت والمؤيدة للنازية وحذف مقاطع معينة من النصوص المطبوعة .
كانت تلك الإجراءات تمهد لوضع قائمة المنشورات والمطبوعات المحظورة وهو ما حصل فعلا في العام التالي. فعلى مدى الخمسة وأربعين عاما من الحكم الشيوعي تم تضمين ثلاثمائة وثلاثة وستين كتابا بالإضافة إلى مائة واثنين وثمانين دورية في في المجموعة السرية التابعة لمكتبة الأكاديمية الرومانية .
بذل موظفو مكتبة الأكاديمية الرومانية جهودا حثيثة للحيولة دون تضمين مئات الكتب والمطبوعات في المجموعة السرية.
نيكولاي نويكا مدير مكتبة الأكاديمية الرومانية تحدث في حفل إطلاق كتاب حول تاريخ المؤسسة بين عامي 1948 و1949 عن مصير الكتب والمطبوعات التي اعتبرها النظام الشيوعي خطيرة : “في السنوات التي أعقبت تولي الشيوعيين السلطة حاول مسؤولو مكتبة الأكاديمية حماية الكتب والمطبوعات التي اعتبرها النظام مناهضة للعقيدة الشيوعية أو مننقدة لها بضمنها إلى المجموعة السرية تفاديا لإتلافها. في حين كانت مكتبات أخرى تحرق تلك الكتب وتصهرها بكل بساطة. ولكن مع مرور الوقت طرأت تغيرات كثيرة على المجموعات السرية.
فبعد عام 1959 تم ضم الكتب المحظورة إلى المجموعات السرية بدلا من حرقها أو صهرها كما تغيرت طريقة تصنيف الأعمال الخاضعة للرقابة حسب مواضيعها حيث صنفت بعض الكتب والمبطوعات”محظورة” وصنفت ىمتب أخرى “سرية ” وكان يسمح فقط لقلة قليلة من الناس معينة بمطالعتها وفقط في غرفة خاصة تحت الرقابة .”
ما هي الكتب التي وضعت في المجموعة السرية لمكتبة الأكاديمية الرومانية؟ “كتب بقلم شخصيات ثقافية بارزة كالشاعر ميهاي إمينيسكو والمؤرخ نيكولاي إيورغا بالإضافة إلى الشهادات واليوميات والمراسلات والخطب وبينها شهادات على حضور ملوك رومانيا المناسبات العامة الكبرى .
كذلك وضعت في المجموعة السرية نصوص رجال سياسة بارزين من بينهم أفراد عائلة بريتيانو وكثيرين غيرهم .فكل تلك الكتب والوثائق أصبحت قرأتها محظورة على الجميع باستثناء شخصيات معنية . وكان المؤرخون غالبا يواجهون صعوبات في الوصول إلى نصوص المؤلفين الفاشيين مما أعاق البحث العلمي التاريخي بشكل كبير.”
تغير التعامل مع المجموعة السرية في ستينيات القرن الماضي .نيكولاي نويكا مرة أخرى : ” تغير تعامل النظام مع المجموعات السرية ابتداء من عام 1960 حيث أعيد الكثير من الكتب المحظورة إلى رفوف المكتبة العامة بما فيها كتب المؤرخ إيورغا التي كانت قد حوظرت في الخمسينيات.
بالإضافة إلى الكتب والدوريات كانت المجموعة السرية تحتوي على صور الشخصيات السياسية في الفترة ما بين الحربين العالميتين والمرتبطة بملوك رومانيا أو الأحزاب السياسية التاريخية . كما تضمنت المجموعة السرية خرائط قديمة ومن بينها خريطة المحاظفات الرومانية الجنوبية في عام 1864 وخريطة المحافظات بين عامي 1862 و1868 وخريطة الحدود بين رومانيا والمجر كما نصت عليها معاهدة تريانون.”
تمثل المجموعة السرية لمكتبة الأكاديمية الرومانية جزاء من تاريخ النظام الشيوعي وتعكس محاولاته لطمس كل آثار الماضي الديمقراطي للبلاد.