الثاني والعشرون من ديسمبر عام 1989- اليوم الأول
بعد نحو أسبوع من الاحتجاجات الحاشدة سقط نظام نيكولاي تشاوشيسكو الديكتاتوري الشيوعي في الثاني والعشرين من ديسمبركانون الأول عام 1989
Diana Baetelu, 27.12.2025, 15:30
بعد نحو أسبوع من الاحتجاجات الحاشدة سقط نظام نيكولاي تشاوشيسكو الديكتاتوري الشيوعي في الثاني والعشرين من ديسمبركانون الأول عام 1989.ففي تمام الساعة الثانية عشرة والدقيقة السادسة ظهرا فر الديكتاتور وزوجته صحبة حففنة من المعاونين على متن طائرة مروحية من مبنى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في بوخارست الذي كان رمزا للسلطة المطلقة لخمسة وأربعين عاما. الأحداث التي رافقت بداية انهيار نظام تشاوشيسكو وثم رحيله أسفرت عن مقتل نحو ألف ومئتي شخص في جميع أنحاء البلاد وتركت خلفها مجتمعا مصابا بالحيرة والذهول .الثاني والعشرون من ديسمبر كانون الأول عام 1989 هو اليوم الذي استعاد فيه الشعب الروماني الحرية ودعي لإعادة بناء كل شيء بدءا من الدولة والقوانين والاقتصاد والمجتمع ووصولا إلى الثقافة والتعليم. كانت مهمة صعبة ولكن كان أصعب شيء فيها مواجهة الماضي وتحديد ملامح المسار المراد اتباعه لبناء الحاضر والمستقبل.
لماذا يا ترى كانت مواجهة الماضي أمرا صعبا ؟ الفيلسوف غابرييل ليتشيانو حاول الإجابة عن هذا السؤال وتفسير الأسباب وراء اضطرار الرومانيين إلى خوض تلك التجربة الصعبة ؟ : “إنها مسألة معقدة وحساسة لا سيما وأن الماضي الذي نحن بصدده يعود إلى خمسة وثلاثين عاما . فمواجهة الماضي أمر هام مأ من وجهة نظري لأن الماضي هو أهم أبعاد الزمن الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل.
لذا فإن أي مسعى إلى فهم الحاضر وبناء المستقبل مع نسيان الماضي أو تجاهله سيكون مصيره الفشل. فإذا تحدثنا عن حياة كل منها على سبيل المثال نلاحظ أننا نتكون من طبقات الزمن التي تراكبت في خلايا دماغنا لتشكل ما نحن عليه . فكل فرد يحمل معه سنوات طفولته ومراهقته وشبابه وكل ما خاضه من تجارب واكتسبه من خبرات في حياته . سنكون دائما ما كنا عليه لأن الماضي لا يزول بل يبقى ويؤسس وجودنا.”
حاول رومانيون كثر الهروب من الماضي لأن الضغط كان هائلا عليهم واللجوء إلى التاريخ لم يكن كافيا لتوضيح المسار والخيارات بل على العكس زاد الخيارات تعقيدا: “الطبقات التي تراكبت عبر التاريخ هي مفتاح تاريخنا وحاضرنا ورغبتنا في بناء المستقبل. نحن الرومانيين أعدنا صياغة تاريخنا بين حين وآخر في كتبنا المدرسية بما توافق مع مصالحنا. لقد تعرض تاريخنا لتشويهات كانت في حينها مناسبة لهذا النظام السياسي أوذاك.
ولكن النظام الشيوعي كان بارعا في تجميل صورة الماضي وإعادة تشكيله بما يخدم مصالح زعيم سياسي أو مسؤولي حزبي رفيع . في الواقع لم نتعرف على ماضينا على الوجه المطلوب بل أعدنا إنتاجه بشكل ظرفي أو عرفناه معرفة غير دقيقة أو تجاهلناه تماما بكل بساطة. ولكن جهل الماضي قد يجعلنا نرجع إلى أبشع صوره.”
دراسة الماضي نهج سليم دائما ومواجهة الماضي تضفي المزيد من الوضوح على الرؤية وتفسر أسباب الولايات التي مر بها هذا المجتمع أو ذاك: ” إذا تحدثنا عن مواجهة الماضي فأعتقد أن عبارة “الإرث الثقيل” التي تداولت في الحقبة الشيوعية تقول الكثير بحد ذاتها . لقد كان الإرث الثقيل في الحقبة الشيوعية ذلك الذي تركه النظام البرجوازي الإقطاعي فتوجب علينا نحن الشيوعيين القضاء عليه واستبداله بالسعادة والروعة والمستقبل المشرق.
الكن عبارة “الإرث الثقيل” التي شاعت في الحقبة الشيوعية وما بعدها هي أكثر العبارات نفاقا. ذلك أن الإرث الثقيل الحقيقي قد تكون بعد عام 1990 ونحن الوارثون .
إنه إرث الذين عبروا إلى الجانب الآخر من التاريخ وفي مقدمتهم زعيم رومانيا بعد عام 1989 يون إيليسكو وجميع أعضاء الحزب الشيوعي الذين انضموا إليه أثناء الثورة وبعدها وكل الهياكل الإدارية والسياسية والقمعية المتوارثة عن تشاوشيسكو. وكان أثقل إرث الهيكل القمعي التعسفي للنظام الشيوعي.
لقد انتقلوا إلى الجانب الآخر حاملين معهم كل رذائل وعادات النظام السابق. ففي مثل هذه الظروف كانت مواجهة الماضي أمرا مستحيلا.
فكيف للذين أعادوا إنتاج الماضي الشيوعي بإلباسه ثيابا جديدة أن يحاسبوا أنفسهم. رومانيا لم تعرف ظاهرة التطهير بعد عام 1989 على غرار دول أخرى في الكتلة الاشتراكية السابقة ولا مواجهة الماضي لأن الأشرار لا يحاسبون ولا يدانوان في عالمنا هذا .”