دراسة التاريخ في عهد ستالين
فرض النظام الستاليني الأيديولجية الشيوعية على جميع ميادين الحياة وكانت العلوم الاجتماعية والتاريخ المجالات الأكثر تأثرا بالتوجيهات السياسية
Diana Baetelu, 13.12.2025, 15:30
فرض النظام الستاليني الأيديولجية الشيوعية على جميع ميادين الحياة وكانت العلوم الاجتماعية والتاريخ المجالات الأكثر تأثرا بالتوجيهات السياسية. سيطرة الأيديولوجية الشيوعية على دراسة التاريخ تجلت في إعادة كتابة التاريخ في المناهج الدراسية وفي جميع المؤلفات المختصة وفق متطلبات الرقابة .
كان المؤرخ يون أغريغورواي طالبا في جامعة ياش شمال شرقي رومانيا في عهد الزعيم السوفييتي ستالين الذي امتد في رومانيا من تولي الشيوعيين السلطة في عام 1945 إلى وفاته في عام 1953 .
وفي عام 1995 تحدث إلى محرري مركز التاريخ المروي التابع للإذاعة الرومانية عن سنوات الدراسة الجامعية والأجواء التي سادت المجتمع الروماني آنذاك :” في عام 1954 تخرجت من المدرسة الثانوية في مدينة ياش في وقت كانت فيه مظاهر العبادة لشخصية الزعيم السوفييتي ستالين منتشرة في كل مكان رغم مرور عام على وفاته.
مع ذلك اكتسبت في المدرسة الثانوية بفضل كفاءة المدرسين المهارات اللازمة لخوض مسابقة القبول في الجامعة بنجاح. في تلك الفترة تمت إعادة تنظيم الكليات بدمج كلية الفل سفة مع كلية التاريخ تحت مسمى كلية اللغات والتاريخ وتأسست فيها ثلاثة أقسام هي قسم اللغة الرومانية وقسم التاريخ وقسم اللغة الروسية فيما أغلقت أقسام اللغات الأجنبية الأخرى أي الفرنسية والإنجليزية والألمانية.”
حاول الأساتذة الجامعيون قدر المستطاع نقديم معلومات صحيحة عن الأحداث التاريخية إلى الطلاب والابتعاد قدر الإمكان عن تاثير الأيديولوجية الشيوعية على المنهج الدراسي ومحتويات الدروس : ” مارس بعض الأساتذة مهنة التدريس بشكل مشرف فتعلمنا الكثير منهم . قد لا يعرف كثيرون أن دراسة أعمال نيكولاي إيورغا وفاسيلي بارفان وكذلك سيرة حياة وأعمال سياسين بارزين في الفترة ما بين الحربين العالميتين من أمثال غورغي براتيانو كانت محظورة في تلك الفترة. من جانب آخر كانت الفوارق بين المستوى التعليمي للطلاب الجامعيين ومهاراته كبيرة جدا لأن شهادات الدراسة الثانوية لبعضهم كانت مغشوشة .
الجدير بالذكر أن السلطات كانت تطلع على الملفات الشخصية لخريجي المدارس الثانوية قبل قبولهم في الجامعة ولكنها لم تقم وزنا لأدائهم المدرسي بل ركزت أشد التركيز على خلفيتهم الاجتماعية والطبقة الاجتماعية للأباء وما إذا كان هذا الطالب أو ذاك قد انضم إلى اتحاد الشبببة العمالية وهي النواحي التي اهتمت بها السلطات أكثر من أي شيء آخر. من جانب آخر كان الانضمام إلى الحزب الشيوعي الذي كان يسمى آنذاك بالحزب العمالي الروماني يفتح للشباب أبواب كليات العلوم الاجتماعيىة بصرف النظر عن أدائهم في المرحلة الثانوية .”
كان المستشارون السوفييت يشرفون على تدريس التاريخ الجديد حارصين أشد الحرص على جعل محتوى الدروس متطابقا مع الأيديولوجية الشيوعية . يون أغريغورواي: “كانت في مدينة ياش قنصلية سوفيتية فيها مستشار ثقافي مسؤول عن تدريس العلوم الاجتماعية. كان الأسانذة مجبرين بإعداد الدروس مسبقا لتقديمها للمستشار السوفيتي في حال أراد الاطلاع على محتواها وإبداء رأيه فيها.
هنا يجذر ذكر قصة البروفيسور الراحل كونستانتين كيهوداريو التي تقول لنا الكثير عن الرقابة التي فرضها السوفييت على تدريس التاريخ . فقد قال البروفيسور ذات مرة معلقا على أحداث حرب الاستقلال عام 1877 إن الجيش الروسي كان قد تقدم كثيرا في عمق الجبهة دون أن يؤمن خطوطها الخلفية .وروى البروفيسور كيهوداريو أن الدوق الروسي نيكولاي بعث ببرقية إلى الأمير الروماني كارول طالبه فيها بالتدخل .
ورأي البروفيسور كيهوداريو أن بعض قادة الجيش الروسي لم يتحلوا بالكفاءة اللازمة لقيادة تلك العمليات العسكرية وهو رأي أثار غضب القنصلية السوفيتية التي اعتبرته إساءة لسمعة الجيش الروسي. وغير أن البروفيسور دافع عن رأيه موضحا أنه حصل على تلك المعلومات من أعمال المؤرخين السوفيت إلا أن رتبته خفضت من محاضر إلى مدرس وكان على وشك أن يطرد من الجامعة.
إعادة كتابة التاريخ تجلت كذلك في هضم التماثيل وغيرها من المعالم. يون أغريغورواي: “شاهدت إسقاط تمثال المفكر والأديب والناقد الكبير تيتو مايوريسكو في ساحة الجامعة في عام 1954. كان التمثال يتوسط تمثالي رجل السياسة البارز ميهائيل كوغالنيتشانو والشاعر الكبير ميهاي إمينسكو. شاهدت العمال يسقطون التمثال بعد أن ربطوه بحبال ثم نقلوه إلى مكان مجهول. كان حدثا صادما للغاية.
