التثقيف الأمني – درع لا بد منه في عصرنا هذا
للقضايا الأمنية حضور متزايد في حياتنا اليومية ليس بمعانيها وأبعادها العسكرية الصرفة فقط

Diana Baetelu, 06.10.2025, 15:31
للقضايا الأمنية حضور متزايد في حياتنا اليومية ليس بمعانيها وأبعادها العسكرية الصرفة فقط . فالتطورات التي شهدها العالم على مدى السنوات الماضية أثبتت أن الحروب الحديثة لم تعد تخاض بالدبابات والمقاتلات وأن الحرب التقليدية الدائرة رحاها في أوكرانيا المجاورة لرومانيا لم تعد مجرد مواجهة مسلحة بل تحولت إلى حرب هجينة تجمع بين الأساليب التقليدية وتكتيكات التأثير على تصورات الناس ونظرتهم إلى العالم. ولكن الأستاذ الجامعي يوليان كيفو محلل السياسة الخارجية يعتقد أن ما نشهده اليوم ليس مجرد حرب هجينة :”نلاحظ تنامي التهديدات وتنويعها ودمجها مع بعضها البعض بالتزامن مع ظهور بؤر عدم استقرار ومواجهة جديدة .فهذه العوامل الجديدة إلى جانب سائر العوامل المرتبطة بالأمن بمعناه الواسع أدت إلى تغيير طريقة خوض الحروب بشكل جذري .
فحتى وقت قريب أي قبل قرن من الزمان كنا نتحدث عن مواجهات عسكرية بين الدول بمؤسساتها ومواردها ثم بعد ذلك انتقلنا إلى الحديث عن الحرب الهجينة والمواجهة بين المجتمعات لنصل اليوم إلى الحديث عن الحرب الشاملة أو الحرب متعددة الجوانب التي تخاض بأدوات متنوعة عسكرية ومدنية في آن واحد وفق خطة مدروسة بدقة لتمكين تلك الأدوات من تحقيق الأهداف المرجوة والتي عادة ما تشمل بالإضافة إلى إصابة الأهداف العسكرية أو المدنية الهامة تغيير الوضع الأمني القائم .
إنه عالم الغد الذي علينا أن نتهيأ له من اليوم لأنه سيجبر الدول بإدارة أكثر من أداة من أدوات المواجهة وأكثر من تهديد في آن واحد وربما ليس بمفردها أو بعون من مؤسساتها فحسب بل أيضا بإشراك المنظمات غيرالحكومية والقطاع الخاص وأخيرا بإشراك المواطنين. ذلك أن الدفاع عن المجتمع في ظل التقدم التكنولجي الحالي وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي وتصاعد الحرب الإدراكية المعرفية يتطلب جهدا مشتركا واسع النطاق.”
عضوية رومانيا في حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي توفر لها ضمانات أمنية متينة ومع ذلك لا يزال الرأي العام يشعر بعدم الأمان بسبب الحرب المعرفية الإدراكية التي باتت إحدى أهم أشكال المواجهة في يومنا هذا. فالحرب المعرفية هي وسيلة ناجعة لإثارة المخاوف وزرع بذور عدم الثقة بالمؤسسات الرسمية مستغلة التصدع في المجتمع لتجعل من الشعور بانعدام الأمن أداة استراتيجية فاعلة .
لاسيما وأن الشعور بانعدام الأمن ليس مرتبطا بالسياق العسكري الحربي فحسب بل له أبعاد أخرى كالشعور بانعدام الأمن الاقتصادي نتيجة ارتفاع الأسعار في سياق الحرب الدائرة على الحدود بالإضافة إلى انعدام الأمن الاجتماعي المرتبط بانعدام الثقة بالناس فضلا عن انعدام الأمن المعلوماتي بسبب عدم القدرة على التمييز بين الحقيقة والتلاعب في الحقيقة. فكل ذلك يؤدي إلى تنامي الشعور بالضعف الأمر الذي يمكن أن يترك بصمات عميقة على المجتمع وأن يثير تجذبات اجتماعية شديدة ويقوض الاقتصاد. باختصار فإن إثارة الشعور بانعدام الأمان عبر الحرب المعرفية هو سلاح خفي وفعال للغاية. أما مواجهة الحرب المعرفية فتتطلب استراتيجية دفاعية شاملة تتضمن إلى جانب الاستجابة العسكرية استجابة منسقة من جانب المجتمع ككل.
ولكن نجاعة مثل هذه الاستراتيجية توقف على نجاعة التثقيف الأمني للجمهور أي على مدى الوعي الفردي بالقضايا الأمنية ومدى المشاركة الفاعلة للمواطنين في حلها ودعمهم تدابير حماية الدولة والمجتمع من المخاطر الأمنية وانخراطهم الواعي فرديا أوجماعيا في معالجة هذه القضايا . فأفضل وسيلة لضمان نجاعة مثل هذه الاستراتيجية هي التثقيف . ماذا يعني هذا ؟ على سبيل المثال تمكنت النرويج من التكيف مع التهديدات الإقليمية بما فيها التهديدات الروسية كم تمكنت من تعزيز أمنها الوطني باستثمارها مبالغ طائلة في التدريب المدني والعسكري للمواطنين والتعاون الوثيق بين المجتمع المدني والسلطات:”نظرا لأهمية التثقيف الأمني تم تضمين بعض المعلومات حول الحرب المعرفية والمعلوماتية والتضليل والأخبار الكاذبة والزائفة في دروس التربية المدنية لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية .
لكن هذا لا يكفي لأن المهاجم يبتكر أدوات جديدة باستمرار. إما إذا تحدثنا عن روسيا وحربها المعرفية والمعلوماتية فعلينا أن نتذكر بأنها لا تعرف خطوطا حمراء لا أخلاقية ولا ديمقراطية لذا فعلينا أن نستعد لمواجهة حرب كهذه ولكن بالأدوات الديمقراطية. الأمر ليس بالسهل ولكن يمكننا أن نكون مهيئين لمواجهة حرب هيجنة عبر التثقيف والتواصل الاستراتيجي وبناء الثقة ين صناع القرار والمسؤولين السياسيين ورؤساء مختلف التراكيب المؤسسية من جهة والمواطنين من جهة أخرى.”