ظاهرة هجرة الرومانيين
هجرة الرومانيين إلى الغرب هي واحدة من أوسع الظواهر الاجتماعية انتشارا في العقود الأخيرة
Diana Baetelu, 08.12.2025, 15:30
هجرة الرومانيين إلى الغرب هي واحدة من أوسع الظواهر الاجتماعية انتشارا في العقود الأخيرة الأمر الذي تؤكده الإحصاءات الرسمية . في الوقت الحالي يعيش نحو خمسة ملايين وسبعمائة ألف من الرومانيين خارج البلاد بحسب تقرير الهجرة العالمية لعام 2024 الصادر عن الأمم المتحدة ويمثل المغتربون نحو ربع سكان رومانيا.
آثار الهجرة جلية للعيان في الاقتصاد والبنية الاجتماعية والديموغرافية والثقافية للبلاد. في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت دوافع هجرة الرومانيون سياسية لتحل الاعتبارات الاقتصادية محلها بعد سقوط النظام الشيوعي.
في تسعينيات القرن الماضي كان معظم المهاجرين من العمال المهرة في قطاعات البناء والزراعة والخدمات الباحثين عن رواتب أعلى ولكن في العقدين الأخيرين تنوعت اختصاصات المهاجرين حتى أصبحت تشمل الأطباء والمعلمين والمهندسين ومتخصصي تكنولوجيا المعلومات والطلاب والباحثين لتصبح رومانيا دولة مصدرة للقوى العاملة والمهارات. مع مرور الوقت تعددت أيضا أسباب الهجرة من تدني الرواتب في رومانيا إلى قلة الفرص وانتشار الفساد وصولا إلى البيروقراطية والرغبة في المزيد من الاستقرار.
كريستيان دافيد مؤسس ورئيس معهد سياسات الهجرة يعتبر انخفاض عدد السكان ومعدلات المواليد فضلا عن هجرة الأدمغة ظواهر مقلقة في العديد من الدول وليس في رومانيا فقط شريط- : “هجرة الأدمغة تعرفها دول عديدة غير رومانيا هي ظاهرة يصعب مكافحتها. فبغض النظر عن خصائصها المحلية إلا أن هجرة الأدمغة تعكس الفجوة الاقتصادية بين الدول. علاوة على ذلك فإن البحث العملي والابتكار والثورة التكنولوجية وفرت فرصا واسعة لتأكيد الذات لأصحاب التعليم العالي وخاصة لخرجي تكنولوجيا المعلومات والتقنيات المتقدمة.
فمن الواضح أن الدول القوية التي استثمرت في البحث العلمي والتطوير والابتكار تجذب الوافدين وليس الرومانيين فقط. وادي السيليكون على سبيل المثال يجذب موظفين من جميع أنحاء العالم. فأصحاب الكفاءات العالية يغادرون بلدانهم إلى وادي السيليكون وأعتقد أن هذا الاتجاه سيستمر للأسف.”
أثرت الهجرة الجماعية على الاقتصاد والديموغرافية بشكل كبير. فالعديد من المناطق الرومانية وخاصة في مولدوفا وأولتينيا وجنوب ترانسلفانيا تواجه انخفضا حادا لعدد السكان النشيطين اقتصاديا . فصعوبة إيجاد عاملين وموظفين في قطاعات عديدة اضطرت الدولة إلى استقدام العمالة من آسيا لتعويض النقص الشديد على الصعيد المحلي.
علاوة على ذلك يقول الخبراء إن رومانيا تتقدم في السن فيما أصبح نقص العمالة بما فيها العمالة المؤهلة تأهيلا عاليا أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد . وللحد من هجرة الأدمغة على رومانيا الاستثمار في مجال البحث العلمي والاستفادة من الطاقات الإبداعية المتاحة فضلا عن ضمان رواتب جذابة والاستثمار في التقنيات الحديثة .
ويعتقد كريستيان دافيد أن عودة الرومانيين من بلاد الاغتراب قرار شخصي ولكن اتخاذه يتوقف بشكل كبير على بعض العوامل الأساسية مثل حالة سوق العمل والنظام الصحي والقضاء والتعليم والبنية التحتية.
معهد الهجرة اقترح اتجاهات العمل الكفيلة بجذب المغتربين إلى الوطن ومنها برنامج ريادة الأعمال للرومانيين في الشتات الذي يساعدهم على بدء أعمال بعد عودتهم إلى رومانيا. وأوضح كريستيان دافيد أن البرنامج ينفذ بالاشتراك مع منصة رويونيت : ” على الدولة الرومانية أن تقدم الدعم لهؤلاء وأن تسهل عليهم الحصول على التمويل اللازم لبدء المشاريع الصغيرة.
أعتقد أن من حققوا النجاح في إيطاليا وتعلموا الكثير هناك يمكنهم أن يصبحوا رواد أعمال ناجحين في رومانيا أيضا وأن يعودوا إلى رومانيا ليس للبحث عن وظائف بل ليكونوا هم من يوظفون عاملين .فما نسعى إليه هو تكوين فئة من رواد الأعمال من المغتربين بحيث يعودون إلى الوطن ويستثمرون خبراتهم هنا .”
لقد عاد بعض رومانيون إلى الوطن بعد سنوات من العمل في الخارج وافتتحوا مشاريع تجارية واستفادوا من خربتهم والاكفارالجديدة والعقليات المختلفة التي اكتسبوها في بلاد الاغتراب. ويرى معهد سياسات الهجرة أن إحدى الوسائل الكفيلة بزيادة عدد العائدين تتمثل في إشراك السلطات المحلية في البرامج الهادفة إلى تشجيع الرومانيين وخاصة الشباب على العودة إلى المناطق الريفية بتقديم أراض لهم لبناء منازل. وذلك نظرا لضرورة تدارك اختلال التوازن المتزايد بين الأجيال الشابة والمسنة.
من جانب آخر يجب ذكر أن مجموعات الرومانيين في الخارج لم تعد مجموعات معزولة متفرقة بل إن هناك في دول عديدة كإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا مجموعات كبيرة جدا من الرومانيين المغتربين تأسست فيها جمعيات مدنية ومدارس وكنائس ومنظمات ثقافية رومانية تصدرمنشورات بلغة الأم .